إذْ لَا مَانِعَ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) ؛ لِإِسَاءَتِهِ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ (فَإِنْ خَرَجَ) إلَيْهِ (بَعْدَ إحْرَامِهِ فَقَطْ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ شُرُوعِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهَا (فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْهُ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ وَجَبَ، ثُمَّ سَقَطَ وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ وَقَوْلِي: فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَ) مَكَانَيْهَا (لِحَجٍّ) وَلَوْ بِقِرَانٍ (لِمَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ (هِيَ) أَيْ مَكَّةُ (وَلِنُسُكٍ) مِنْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ (لِمُتَوَجِّهٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) مَكَانٌ عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَسِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ (وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمُغْرِبِ الْجُحْفَةُ) قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ قِيلَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ.
وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْهَا وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ (وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَمِنْ نَجْدَيْ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ قَرْنٌ) بِإِسْكَانِ الرَّاءِ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ (وَمِنْ الْمَشْرِقِ) الْعِرَاقُ وَغَيْرُهُ (ذَاتُ عِرْقٍ) عَلَى الْمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ أَيْضًا وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَمْ يَكُنْ بِالْحَرَمِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ دَمٌ) أَيْ: مُرَتَّبٌ مُقَدَّرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْحِلِّ وَلَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ، أَوْ لَا لِغَرَضٍ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ الْإِحْرَامَ بِهَا
. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِقِرَانٍ) أَيْ: تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَجِّ أَيْ: فَلَا يُنْظَرُ لِجَانِبِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يَكُونَ مُقْتَضَاهُ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحِلِّ، وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنْ أَرَادَ الْقِرَانَ لَزِمَهُ إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ كَمَا لَوْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَحْدَهَا. (قَوْلُهُ: لِمَنْ بِمَكَّةَ هِيَ) فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ مَكَّةَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ نَعَمْ بَحَثَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهَا فَلَا إسَاءَةَ وَلَا دَمَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: لِمُتَوَجِّهٍ) عَبَّرَ بِالْمُتَوَجِّهِ لِيُوَافِقَ الْخَبَرَ الْآتِيَ وَهُوَ قَوْلُهُ: هُنَّ لَهُنَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَاحِدَةُ الْحَلْفَاءِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ شَرْحُ حَجّ (قَوْلُهُ: عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ) الْمُرَادُ بِالْمَرْحَلَةِ الدَّارُ؛ لِأَنَّ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَشْرَ دِيَارٍ أَيْ: مَنَازِلَ وَالدَّارُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَرْحَلَةِ بَلْ مَرْحَلَتَانِ تَقْرِيبًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. (قَوْلُهُ: وَسِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهِيَ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَتَصْحِيحُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ لَعَلَّهُ بِاعْتِبَارِ أَقْصَى عُمْرَانِ الْمَدِينَةِ وَحَدَائِقِهَا مِنْ جِهَةِ تَبُوكَ، أَوْ خَيْبَرَ وَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ) تَزْعُمُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نُسِبَتْ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ حَفَرَهَا.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ الشَّامِ) بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزَةِ وَهُوَ طُولًا مِنْ الْعَرِيشِ إلَى الْفُرَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ إلَى نَابُلُسَ وَعَرْضًا مِنْ جَبَلِ طَيٍّ إلَى بَحْرِ الرُّومِ وَلَفْظُهُ مُذَكَّرٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ كَالشَّامَةِ فِي الْأَرْضِ وَلِذَلِكَ فَضَّلَهُ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى مِصْرَ وَعَكَسَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى سَامَ بْنِ نُوحٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَكَنَهُ وَالْعَرَبُ تَقْلِبُ السِّينَ شِينًا ق ل وَح ف، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ وَأَمَّا الْآنَ فَمِيقَاتُهُمْ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِأَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ طَرِيقَ تَبُوكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِصْرَ) سُمِّيَتْ بِأَوَّلِ مَنْ سَكَنَهَا وَهُوَ مِصْرُ بْنُ بيصر بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ ز ي وَقَالَ حَجّ: سُمِّيَتْ مِصْرَ لِأَنَّهَا حَدٌّ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالْمِصْرُ لُغَةً الْحَدُّ وَبِهَا وَبِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَضْلُ الْمَشْرِقِ عَلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَفْظُهَا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ وَهِيَ طُولًا مِنْ أَيْلَةَ أَيْ: الْعَقَبَةِ الَّتِي فِي طَرِيقِ الْحَجِّ الْمِصْرِيِّ إلَى بَرْقَةَ بِجَانِبِ الْبَحْرِ الرُّومِيِّ وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَعَرْضًا مِنْ أُسْوَانَ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى إلَى رَشِيدٍ وَمَا حَاذَاهُ مِنْ مَسَافَةِ النِّيلِ إلَى الْبَحْرِ الرُّومِيِّ وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرِبِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ (قَوْلُهُ: الْجُحْفَةُ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا أَيْ: أَذْهَبَهَا وَهِيَ عَلَى سِتَّةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَعَلَّهُ بِسَيْرِ الْبِغَالِ النَّفِيسَةِ شَرْحُ م ر وَالْإِحْرَامُ مِنْ رَابِغَ الَّذِي اُعْتِيدَ لَيْسَ مَفْضُولًا لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ انْبِهَامِ الْجُحْفَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَاجِّ وَلِعَدَمِ مَاءٍ بِهَا أَيْ يَغْتَسِلُونَ بِهِ لِلْإِحْرَامِ شَرْحُ حَجّ وَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْضُولِيَّةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ لِمَنْ بِطَرِيقِهِ مِيقَاتٌ ح ف وَقَالَ ق ل وَخَضْرٌ عَلَى التَّحْرِيرِ: إنَّ الْجُحْفَةَ هِيَ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ بِرَابِغٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا) وَهِيَ سِتُّ مَرَاحِلَ وَرُبُعٍ. (قَوْلُهُ: خَرَابٌ) وَأُبْدِلَتْ بِرَابِغٍ لِكَوْنِهَا قَبْلَهَا بِيَسِيرٍ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ تِهَامَةَ الْيَمَنِ) بِكَسْرِ التَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنُ إقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ شَرْحُ م ر وَالنَّجْدُ مَا ارْتَفَعَ. (قَوْلُهُ: يَلَمْلَمُ) أَصْلُهُ أَلَمْلَمُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً وَيُقَالُ يَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ وَهُوَ اسْمُ جَبَلٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ ق ل. (قَوْلُهُ: عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) الْمُرَادُ مَرْحَلَتَانِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: الْعِرَاقُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسُهُولَةِ أَرْضِهِ بِعَدَمِ الْجِبَالِ وَالْأَحْجَارِ وَلَفْظُهُ مُذَكَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ق ل.
(قَوْلُهُ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ حَدَّدَ الْمَوَاضِعَ الْآتِيَةَ لِلْإِحْرَامِ وَجَعَلَهَا مِيقَاتًا أَيْ: فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ ع ش، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي