وَلَوْ بِلَا تَلْبِيَةٍ (الْأَفْضَلُ تَعْيِينُ) النُّسُكِ لِيَعْرِفَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ (بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً، أَوْ كِلَيْهِمَا) فَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ وَاحِدَةٌ فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى الْإِحْرَامِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ» ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ أَيْ: نُزُولَ الْوَحْيِ فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا» (فَإِنْ أَطْلَقَ) إحْرَامَهُ (فِي أَشْهُرِ حَجٍّ صَرَفَهُ بِنِيَّةٍ لِمَا شَاءَ) مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَكِلَيْهِمَا إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا (ثُمَّ) بَعْدَ النِّيَّةِ (أَتَى بِعَمَلِهِ) أَيْ: مَا شَاءَ فَلَا يُجْزِئُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْوَقْتُ لَهُمَا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَوْ ضَاقَ فَالْمُتَّجَهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ لِمَا شَاءَ وَيَكُونُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ حِينَئِذٍ أَمَّا إذَا أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا مَرَّ فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى حَجٍّ فِي أَشْهُرِهِ (وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: بِمَ أَهْلَلْت؟ فَقُلْت لَبَّيْتُ بِإِهْلَالٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُعَدُّ رُكْنًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَأَرْكَانُ الْحَجِّ إحْرَامٌ أَيْ: نِيَّةٌ ح ل بِزِيَادَةِ. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِمْ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِالنِّيَّةِ؛؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ النِّيَّةَ لَكَانَ الْمَعْنَى تَنْعَقِدُ إلَيْهِ النِّيَّةُ ح ف يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ كَأَنْجَدَ إذَا دَخَلَ نَجْدًا لَكِنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ الْأَفْضَلُ تَعْيِينٌ يُنَاسِبُ الْمَعْنَى الثَّانِيَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا تَلْبِيَةٍ) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ التَّلْبِيَةَ فِي انْعِقَادِ الْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا إلَخْ) أَيْ: لَا مُجَامِعًا وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ وَإِنْ نَسِيَ، أَوْ جَهِلَ وَعُذِرَ فَلَا يَنْعَقِدُ النُّسُكُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ مَا أَفْسَدَ فِي الدَّوَامِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ، كَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ ضَعْفِ الِابْتِدَاءِ ز ي وَإِنَّمَا كَانَ الْمَعْذُورُ كَغَيْرِهِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْأَثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ أَضْعَفُ مِنْ الدَّوَامِ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا) أَيْ: وَاحِدًا، أَوْ عُمْرَةً أَيْ: وَاحِدَةً فَصَحَّ التَّفْرِيعُ. (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ) أَيْ: مِنْ قَوْلِهِ الْأَفْضَلُ وَأَتَى بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِنْ أَطْلَقَ إلَخْ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا) ، وَفَارَقَ الصَّلَاةَ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مُطْلَقًا بِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ النُّسُكِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ عَلَى الْإِحْرَامِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ فِي النُّسُكِ الصَّالِحِ لِلْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ أَحْرَمْت شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: رَوَى مُسْلِمٌ) فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى كَوْنِ الْأَفْضَلِ التَّعْيِينَ نَظَرًا لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَدُلَّانِ عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ وَيُمْكِنُ أَخْذُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ لَامِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: خَرَجْنَا) أَيْ: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَنْ يُهِلَّ) أَيْ: يُحْرِمَ فَعَبَّرَ عَنْ الْإِحْرَامِ بِمُجَاوِرِهِ وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى الشَّافِعِيُّ) دَلِيلٌ لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ: مُهِلِّينَ أَيْ: مُحْرِمِينَ إحْرَامًا مُطْلَقًا وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ الْإِهْلَالَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّلْبِيَةُ مَسْبُوقَةٌ بِالنِّيَّةِ أَيْ: فَمَا هُنَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَمَا يَأْتِي تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ) أَيْ: هَلْ يَنْزِلُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؟ وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْمَقْضِيُّ بِمَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ هَلْ هُوَ حَجٌّ، أَوْ عُمْرَةٌ؟ فَقَوْلُهُ: أَيْ: نُزُولُ الْوَحْيِ أَيْ: بِالْمَقْضِيِّ وَإِلَّا فَتَفْسِيرُ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ إشَارَةٌ لِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: نُزُولِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: فَأَمَرَ إلَخْ) أَيْ: فَنَزَلَ فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِالْعُمْرَةِ قُلْت؛ لِأَنَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ لَوْ أَمَرَ بِهَا لَتَوَهَّمَ أَنَّهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ نَحْرِهِ وَلَوْ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْحَالُ أَنَّ وَقْتَهُ يَوْمَ النَّحْرِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا) ؛ لِأَنَّ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ وَالْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ فَنَاسَبَ جَعْلُ الْأَكْمَلِ لِلْأَكْمَلِ ح ل وَم ر وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ زَمَنَ الْحَجِّ بِطُولٍ وَوَاجِبَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْعُمْرَةِ فَرُبَّمَا يُخِلُّ بِبَعْضِهَا فَيُجْبِرُهُ بِالْهَدْيِ الَّذِي مَعَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ: لَمْ يُعَيِّنْ فَهُوَ مُقَابِلٌ لِلتَّعْيِينِ. (قَوْلُهُ: صَرَفَهُ) أَيْ: وُجُوبًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ الْإِحْرَامِ ح ل (قَوْلُهُ: إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ) أَيْ: حِينَ الصَّرْفِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا تَقْيِيدُ الْمَتْنِ أَيْ: فَقَوْلُهُ: صَرَفَهُ إلَخْ أَيْ: إنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَاعْتَرَضَ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي أَشْهُرِ حَجٍّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي أَشْهُرِ حَجٍّ قَيْدٌ فِي الْإِحْرَامِ أَيْ: إنَّ الْإِحْرَامَ وَاقِعٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ: صَرَفَهُ بِنِيَّةٍ لِمَا شَاءَ يَصْدُقُ ذَلِكَ بِمَا إذَا صَرَفَهُ بَعْدَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلِذَا احْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ النِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ الصَّرْفِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ) بِأَنْ طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ ضَاقَ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ صَرَفَهُ بِنِيَّةٍ لِمَا شَاءَ أَيْ: وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ بِأَنْ كَانَ لَا يَصِلُ عَرَفَةَ إلَّا بَعْدَ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ الَّذِي قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ م ر خِلَافًا لِبَعْضٍ كحج انْتَهَى ح ف. (قَوْلُهُ: لِمَا شَاءَ مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ) لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْحَجِّ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ: فِيمَا إذَا صَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَقَوْلُهُ: كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَيَقْضِيهِ مِنْ قَابِلٍ ع ش. (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ: لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ أَنْ يُحْرِمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَهْلَلْت) أَيْ: أَحْرَمْت.
(قَوْلُهُ: لَبَّيْت)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute