للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِلَا هَجْرٍ وَضَرْبٍ فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبُ عَمَّا وَقَعَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْوَعْظُ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: اتَّقِ اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْك وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ وَيُبَيِّنَ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ (أَوْ عَلِمَ) نُشُوزَهَا (وَعَظَ) هَا (وَهَجَرَ) هَا (فِي مَضْجَعٍ وَضَرَبَ) هَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ النُّشُوزُ (إنْ أَفَادَ) الضَّرْبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] ، وَالْخَوْفُ فِيهِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: ١٨٢] وَتَقْيِيدُ الضَّرْبِ بِالْإِفَادَةِ مِنْ زِيَادَتِي فَلَا يَضْرِبُ إذَا لَمْ يُفِدْ كَمَا لَا يَضْرِبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَلَا وَجْهًا وَمَهَالِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى الْعَفْوُ وَخَرَجَ بِالْمَضْجَعِ الْهَجْرُ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَجُوزُ فِيهَا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ» لَكِنَّ هَذَا كَمَا قَالَ جَمْعٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَالْهَجْرُ فِي الْكَلَامِ لَهُ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَمِنْهُ «هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ وَنَهْيُهُ الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ» ، وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزِهَا وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الْمَطْلَبِ قَالَ وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ.

(فَلَوْ مَنَعَهَا حَقَّهَا كَقَسْمٍ) وَنَفَقَةٍ (أَلْزَمهُ قَاضٍ وَفَاءَهُ) كَسَائِرِ الْمُمْتَنِعِينَ مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ (أَوْ آذَاهَا) بِشَتْمٍ أَوْ نَحْوِهِ (بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ) عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ؛ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي رَضَّاعَةٌ لِوَلَدِي وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ فَأَنَا أَتَحَمَّلُهَا لِذَلِكَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي قَالَ فَتَحَمَّلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ عَبْدُ الْبَرِّ (قَوْلُهُ: بِلَا هَجْرٍ) الْمُرَادُ نَفْيُ هَجْرٍ يُفَوِّتُ حَقَّهَا مِنْ نَحْوِ قَسْمٍ لِحُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ هَجْرِهَا فِي الْمَضْجَعِ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ شَرْحُ م ر بِأَنْ يَنَامَ فِي مَحَلِّهَا بَعِيدًا عَنْ فِرَاشِهَا

(قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولَ لَهَا) وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» أَيْ سَبَّتْهَا حَتَّى تَرْجِعَ إلَى طَاعَتِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْك) وَالْحَقُّ الْوَاجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ طَاعَتُهُ وَمُعَاشَرَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَسْلِيمُ نَفْسِهَا إلَيْهِ وَمُلَازَمَةُ الْمَسْكَنِ وَالْحَقُّ الْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا مُعَاشَرَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ وَمُؤْنَتُهَا وَالْمَهْرُ وَالْقَسْمُ اهـ. ب ر (قَوْلُهُ: وَعَظَهَا) أَيْ نَدْبًا ح ل (قَوْلُهُ: فِي مَضْجَعٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ الْوَطْءِ أَوْ الْفِرَاشِ م ر يُقَالُ ضَجَعَ الرَّجُلُ: وَضَعَ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَبَابُهُ خَضَعَ اهـ. مُخْتَارٌ وَقَوْلُ م ر أَيْ الْوَطْءِ أَوْ الْفِرَاشِ أَيْ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِ حَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ الْقَسْمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ حَقَّهَا مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى اهـ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: وَضَرَبَهَا) أَيْ بِنَحْوِ يَدِهِ لَا بِسَوْطٍ وَعَصًا وَلَا يَبْلُغُ ضَرْبُ الْحُرَّةِ أَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا عِشْرِينَ اهـ. ح ل لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر أَنَّهُ يَضْرِبُ بِنَحْوِ الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ فِيهِ الْمُسْتَحِقُّ مَنْ مَنَعَهُ حَقَّهُ إلَّا هَذَا وَالْعَبْدُ شَوْبَرِيٌّ أَيْ إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ سَيِّدِهِ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ز ي كحج وَالْخَطِيبُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا لَمْ تُفِدْ الْأُولَى اهـ. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ بِالْفَاءِ بِأَنْ يَقُولَ فَهَجَرَهَا فَضَرَبَهَا لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِالْوَاوِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْوَاوَ فِيهَا بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي لِلتَّنْوِيعِ

(قَوْلُهُ: إنْ أَفَادَ) أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُفِيدُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ {جَنَفًا} [البقرة: ١٨٢] أَيْ مَيْلًا عَنْ الْحَقِّ خَطَأً وَقَوْلُهُ {أَوْ إِثْمًا} [البقرة: ١٨٢] بِأَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ تَخْصِيصِ غَنِيٍّ مَثَلًا اهـ. جَلَالَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَضْرِبُ إذَا لَمْ يُفِدْ) أَيْ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ ح ل (قَوْلُهُ: مُبَرِّحًا) وَهُوَ مَا يَعْظُمُ أَلَمُهُ عُرْفًا ح ل وَقَوْلُهُ وَمَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ جَوَازِ الضَّرْبِ إنْ أَفَادَ فَالْأَوْلَى الْعَفْوُ بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلْأَدَبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتُهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: فَوْقَ ثَلَاثٍ) مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَجُوزُ هَجْرُهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ لِفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِحَظِّ نَفْسِهِ) أَوْ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا ح ل وم ر (قَوْلُهُ: وَإِصْلَاحَ دِينِهَا) أَيْ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ التَّفْصِيلَ مُرَادُهُمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ) وَهُمَا مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ اهـ. زي وَهْم الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: ١١٨] الْآيَةَ وَأَوَائِلُ أَسْمَائِهِمْ جُمِعَتْ فِي لَفْظِ مَكَّةَ وَأَوَاخِرُ أَسْمَاءِ آبَائِهِمْ جُمِعَتْ فِي لَفْظِ عَكَّةَ شَوْبَرِيٌّ وَمُرَارَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ بِرْمَاوِيٌّ

(قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ:) فَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ فِي نُشُوزِهَا بِيَمِينِهِ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الضَّرْبِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَالَ حَجّ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَمْ تُعْلَمْ جَرَاءَتُهُ وَاشْتِهَارُهُ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ ح ل

(قَوْلُهُ أَلْزَمَهُ قَاضٍ) أَيْ إنْ كَانَ أَهْلًا فَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَلْزَمَ وَلِيَّهُ بِذَلِكَ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ آذَاهَا بِلَا سَبَبٍ) وَلَوْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَكْرَهُ صُحْبَتُهَا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>