للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم- فتأباه، إذا قيل لها يتيم «١» ، فو الله ما بقى من صواحبى امرأة إلا أخذت رضيعا غيرى، فلما لم أجد غيره، قلت لزوجى: والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ليس معى رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، فذهبت فإذا به مدرج فى ثوب أبيض من اللبن، يفوح منه المسك، وتحته حريرة خضراء، راقدا على قفاه، يغط، فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله، فدنوت منه رويدا فوضعت يدى على صدره فتبسم ضاحكا، وفتح عينيه لينظر إلىّ، فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر، فقبلته بين عينيه، وأعطيته ثديى الأيمن، فأقبل عليه بما شاء من لبن، فحولته إلى الأيسر فأبى، وكانت تلك حاله بعد- قال أهل العلم: أعلمه الله تعالى أن له شريكا فألهمه العدل- قالت: فروى وروى أخوه.

ثم أخذته، فما هو إلا أن جئت به رحلى، فأقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن، فشرب حتى روى [وشرب أخوه حتى روى] ، فقام صاحبى- تعنى زوجها- إلى شارفنا «٢» تلك، فإذا إنها لحافل «٣» ، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، وبتنا بخير ليلة، فقال صاحبى: يا حليمة، والله إنى لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه، فلم يزل الله يزيدنا خيرا.

قال فى رواية ذكرها ابن طغر بك فى «النطق المفهوم» : فلما نظر صاحبى إلى هذا قال لى: اسكتى واكتمى أمرك، فمن ليلة ولد هذا الغلام أصبحت الأحبار قواما على أقدامها، لا يهنؤها عيش النهار ولا نوم الليل.

قالت حليمة: فودعت النساء بعضهن بعضا وودعت أنا أم النبى صلى الله عليه وسلم-، ثم ركبت أتانى وأخذت محمدا بين يدى، قالت: فنظرت إلى الأتان وقد سجدت نحو الكعبة ثلاث سجدات ورفعت رأسها إلى السماء ثم مشت حتى سبقت دواب الناس الذين كانوا معى، وصار الناس يتعجبون منى


(١) المقصد من قولها (يتيم) أنها لن تأخذ طبيبا ممن سوف يكفله ليتمه ووفاة والده.
(٢) تقدم أن الشارف هى الناقة المسنة.
(٣) الحافل: الممتلئة الضرع من اللبن، حيث إن الحفل، هو اجتماع اللبن فى الضرع.