للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يلتبس، انتهى. وقد بينت هذه الآية وكذا قوله تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ «١» . أن مراتب الرسل والأنبياء متفاوتة، خلافا للمعتزلة القائلين: بأنه لا فضل لبعضهم على بعض، وفى هاتين الآيتين رد عليهم.

وقال قوم: آدم أفضل لحق الأبوة. وتوقف بعضهم فقال: السكوت أفضل. والمعتمد الذى عليه جماهير السلف والخلف: أن الرسل أفضل من الأنبياء، وكذلك الرسل بعضهم أفضل من بعض بشهادة هاتين الآيتين وغيرهما.

قال بعض أهل العلم- فيما حكاه القاضى عياض-: والتفضيل المراد لهم هنا فى الدنيا، وذلك بثلاثة أحوال: أن تكون آياته ومعجزاته أظهر وأشهر، أو تكون أمته أزكى وأكثر، أو يكون فى ذاته أفضل وأظهر، وفضله فى ذاته راجع إلى ما خصه الله تعالى به من كرامته واختصاصه: من كلام أو خلة أو ما شاء الله من ألطافه وتحف ولايته واختصاصه، انتهى.

فلا مرية أن آيات نبينا- صلى الله عليه وسلم- ومعجزاته أظهر وأبهر وأكثر وأبقى وأقوى، ومنصبه أعلى ودولته أعظم وأوفر وذاته أفضل وأظهر، وخصوصياته على جميع الأنبياء أشهر من أن تذكر، فدرجته أرفع من درجات جميع المرسلين، وذاته أزكى وأفضل من سائر المخلوقين. وتأمل حديث الشفاعة فى المحشر، وانتهائها إليه، وانفراده هناك بالسؤدد، كما قال- صلى الله عليه وسلم-: «أنا سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة» «٢» رواه ابن ماجه. وفى حديث أنس عند الترمذى: «أنا أكرم ولد آدم يومئذ على ربى ولا فخر» «٣» .

لكن هذا لا يدل على كونه أفضل من آدم، بل من أولاده، فالاستدلال بذلك على مطلق أفضليته- صلى الله عليه وسلم- على الأنبياء كلهم ضعيف. واستدل الشيخ سعد


(١) سورة الإسراء: ٥٥.
(٢) صحيح: وقد تقدم.
(٣) إسناده ضعيف: أخرجه الترمذى (٣٦١٠) فى المناقب، باب: فى فضل النبى- صلى الله عليه وسلم-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن الترمذى» .