للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنبياء، بل أفضل خلق الله كلهم. وقد روى هذا الحديث- أيضا- الحاكم فى صحيحه عن ابن عباس، لكن بلفظ: «أنا سيد ولد آدم، وعلى سيد العرب» «١» . وقال: إنه صحيح ولم يخرجاه.

وله شاهد من حديث عروة عن عائشة، وساقه من طريق أحمد بن عبيد عن ناصح قال: حدثنا الحسين عن علوان- وهما ضعيفان- عن هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة بلفظ: «ادعوا لى سيد العرب» قالت: فقلت:

يا رسول الله ألست سيد العرب؟ فقال: وذكره «٢» . وكذا أورده من حديث عمر بن موسى الوجيهى- وهو ضعيف أيضا- عن أبى الزبير عن جابر مرفوعا: «ادعوا لى سيد العرب» فقالت عائشة: ألست بسيد العرب وذكره.

قال شيخنا: وكلها ضعيفة. بل جنح الذهبى إلى الحكم على ذلك بالوضع.

انتهى.

ولم يقل- صلى الله عليه وسلم-: أنا سيد الناس عجبا وافتخارا على من دونه، حاشاه الله من ذلك، وإنما قاله- صلى الله عليه وسلم- إظهارا لنعمة الله تعالى عليه، وإعلاما للأمة بقدر إمامهم ومتبوعهم عند الله تعالى، وعلو منزلته لديه، لتعرف نعمة الله عليه وعليهم. وكذا العبد إذ لاحظ ما هو فيه من فيض المدد، وشهده من عين المنة ومحض الجود، وشهد مع ذلك فقره إلى ربه فى كل لحظة، وعدم استغنائه عنه طرفة عين أنشأ له ذلك فى قلبه سحائب السرور، فإذا انبسطت هذه السحائب فى سماء قلبه وامتلأ أفقه بها أمطرت عليه وابل الطرب بما هو فيه من لذيذ السرور، فإن لم يصبه وابل فطل، وحينئذ يجرى على لسانه الافتخار من غير عجيب ولا فخر، بل فرح بفضل الله وبرحمته، كما قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا «٣» فالافتخار على ظاهره، والافتخار والانكسار فى باطنه، ولا ينافى أحدهما الآخر، وإلى هذا المعنى يشير قول العارف الربانى سيد على الوفائى فى قصيدته التى أولها:


(١) هو الحديث السابق.
(٢) انظر ما قبله.
(٣) سورة يونس: ٥٨.