للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتبه نبيّا وآدم بين الروح والجسد «١» ، وختم به النبوة والرسالة، وأعلن بذكره الكريم فى الأولين والآخرين، ونوه بقدره الرفيع حين أخذ الميثاق على جميع النبيين، وجعل ذكره فى فواتح الرسائل وخواتمها، وشرف به المصاقع على المنابر، وزين بذكره أرباب الأقلام والمحابر، ونشر ذكره فى الآفاق شرقا وغربا، برّا وبحرا، حتى فى السماوات السبع وعند المستوى وصريف الأقلام، والعرش والكرسى، وسائر الملائكة المقربين من الكروبيين والروحانيين والعلويين والسفليين، وجعله فى قلوب المؤمنين بحيث يستطيعون ذكره فترتاح أرواحهم، وربما تميل من طرب سماع اسمه أشباحهم:

وإذا ذكرتكم أميل كأننى ... من طيب ذكركم سقيت الراحا

كأنه تعالى يقول: أملأ الوجود كله من أتباعك، كلهم يثنون عليك، ويصلون عليك ويحفظون سنتك، بل ما من فريضة من فرائض الصلاة إلا ومعها سنة، فهم متمسكون فى الفريضة بأمرى، وفى السنة بأمرك، وجعلت طاعتى طاعتك، وبيعتى بيعتك، فالقراء يحفظون ألفاظ منشورك، والمفسرون يفسرون معانى فرقانك، والوعاظ يبلغون بليغ وعظك، والملوك والسلاطين يقفون فى خدمتك ويسلمون من وراء الباب عليك، ويمسحون وجوههم بتراب روضتك، ويرجون شفاعتك، فشرفك باق إلى أبد الآبدين، والحمد لله رب العالمين.

وقال تعالى: طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى «٢» . اعلم أن للمفسرين فى (طه) قولين، أحدهما: أنها من حروف التهجى، والثانى أنها كلمة مفيدة.

وعلى الأولى: قيل معناها، يا مطمع الشفاعة للأمة، ويا هادى الخلق إلى الملة، وقيل: «الطاء» فى الحساب بتسعة والهاء بخمسة، فالجملة أربعة عشر، ومعناه: يا أيها البدر، وهذه الأقوال لا يجب أن يعتمد عليها إذ هى،


(١) تقدم الحديث الدال على ذلك.
(٢) سورة طه: ١، ٢.