للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم- فناداه بالوصف الشريف من الإنباء والإرسال فقال: (يا أيها الرسول) (يا أيها النبى) . ولله در القائل:

فدعا جميع الرسل كلا باسمه ... ودعاك وحدك بالرسول وبالنبى

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دعا عبيده بأفضل ما أوجد لهم من الأوصاف العلية والأخلاق السنية ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام التى لا تشعر بوصف من الأوصاف، ولا بخلق من الأخلاق، أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم، وهذا معلوم بالعرف: أن من دعى بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة فى تعظيمه واحترامه. انتهى.

وانظر ما فى نحو قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً «١» من ذكر «الرب» تعالى وإضافته إليه- صلى الله عليه وسلم-، وما فى ذلك من التنبيه على شرفه واختصاصه بخطابه، وما فى ذلك من الإشارة اللطيفة، وهى أن المقبل عليه بالخطاب، له الحظ الأعظم، والقسم الأوفر من الجملة المخبر بها إذ هو فى الحقيقة أعظم خلفائه. ألا ترى إلى عموم رسالته ودعائه، وجعله أفضل أنبيائه، أمّ بهم ليلة إسرائه، وجعل آدم فمن دونه يوم القيامة تحت لوائه، فهو المقدم فى أرضه وسمائه، وفى دار تكليفه وجزائه.

وبالجملة: فقد تضمن الكتاب العزيز من التصريح بجليل رتبته، وتعظيم قدره، وعلو منصبه، ورفعة ذكره ما يقضى بأنه استولى على أقصى درجات التكريم ويكفى إخباره تعالى بالعفو عنه وملاطفته قبل ذكر العتاب فى قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «٢» . وتقديم ذكره على الأنبياء تعظيما له، مع تأخره عنهم فى الزمان فى قوله تعالى: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ «٣» وإخباره بتمنى أهل النار طاعته فى قوله تعالى:

يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا «٤» ، وهذا بحر لا ينفد وقطر لا يعد.


(١) سورة البقرة: ٣٠.
(٢) سورة التوبة: ٤٣.
(٣) سورة الأحزاب: ٧.
(٤) سورة الأحزاب: ٦٦.