للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العظيم والنصر على الأعداء. وأما الحوض وسائر ما أعدّ له من الثواب فهو وإن جاز أن يقال: إنه داخل فيه لأن ما ثبت بحكم وعد الله فهو كالواقع، إلا أن الحقيقة ما قدمناه، لأن ذلك وإن أعدّ له فلا يصح أن يقال على الحقيقة إنه أعطاه الكوثر فى حال نزول هذه السورة بمكة، ويحتمل أن يجاب عنه بأن من أقر لولده الصغير بشىء له، يصح أن يقال: أعطاه ذلك الشىء مع أن الصبى فى ذلك الحال ليس أهلا للتصرف. انتهى.

وقد روينا فى صحيح مسلم من حديث أنس (بينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا ما يضحكك أضحك الله سنك، يا رسول الله؟ قال: «نزلت على آنفا سورة فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ «١» . ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربى، عليه خير كثير، وهو حوض ترد عليه أمتى عليه يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم فأقول: رب إنه من أمتى، فيقول: ما تدرى ما أحدث بعدك) «٢» . وهذا تفسير صريح منه- صلى الله عليه وسلم- بأن المراد بالكوثر- هنا- الحوض، فالمصير إليه أولى، وهذا هو المشهور كما تقدم. فسبحان من أعطاه هذه الفضائل العظيمة وشرفه بهذه الخصال العميمة، وحباه بما أفاضه عليه من نعمه الجسيمة.

وقد جرت عادة الله مع أنبيائه- عليهم الصلاة والسلام- أن يناديهم بأسمائهم الأعلام نحو: يا آدَمُ اسْكُنْ «٣» يا نُوحُ اهْبِطْ «٤» يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ «٥» يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ «٦» ، وأما نبينا محمد


(١) سورة الكوثر: ١- ٣.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٤٠٠) فى الصلاة، باب: حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة.
(٣) سورة البقرة: ٣٥.
(٤) سورة هود: ٤٨.
(٥) سورة القصص: ٣٠.
(٦) سورة المائدة: ١١٠.