للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجمهور، خلافا لمن زعم أن جبريل أفضل واستدل: بأن الله تعالى وصف جبريل بسبعة أوصاف من صفات الكمال فى قوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ «١» ، ووصف محمدا- صلى الله عليه وسلم- بقوله: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ «٢» . ولو كان محمد- صلى الله عليه وسلم- مساويا لجبريل فى صفات الفضل أو مقاربا له لكان وصف محمدا بمثل ذلك.

وأجيب: بأنا متفقون على أن لمحمد- صلى الله عليه وسلم- فضائل أخرى سوى ما ذكر فى هذه الآية، وعدم ذكر الله تعالى لتلك الفضائل هنا لا يدل على عدمها بالإجمال، وإذا ثبت أن لمحمد- صلى الله عليه وسلم- فضائل أخر زائدة فيكون أفضل من جبريل.

وبالجملة: فإفراد أحد الشخصين بالوصف لا يدل ألبتة على انتفاء تلك الأوصاف عن الثانى، وإذا ثبت بالدليل القرآنى أنه- صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، والملائكة من جملة العالمين، وجب أن يكون أفضل منهم، والله أعلم.

وقال تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ «٣» . وهذه الآية نص فى أنه لا نبى بعده، وإذا كان لا نبى بعده فلا رسول بطريق الأولى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبى، ولا ينعكس، كما قدمنا ذلك فى أسمائه الشريفة من المقصد الثانى. وبذلك وردت الأحاديث عنه- صلى الله عليه وسلم-:

فروى أحمد من حديث أبى بن كعب أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «مثلى فى النبيين كمثل رجل بنى دارا، فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لبنة فلم يضعها: فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة، فأنا فى النبيين موضع تلك اللبنة» «٤» ورواه الترمذى عن بندار عن


(١) سورة التكوير: ١٩- ٢١.
(٢) سورة التكوير: ٢٢.
(٣) سورة الأحزاب: ٤٠.
(٤) صحيح: وقد تقدم.