للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن تنزلنا معهم على القول بأنه: الحامد، فأى لفظ أقرب إلى أحمد ومحمد من هذا؟

قال ابن ظفر: وفى الإنجيل- مما ترجموه- ما يدل على أن الفارقليط:

الرسول، فإنه قال: إن هذا الكلام الذى تسمعونه ليس هو لى، بل الأب أرسلنى بهذا الكلام لكم، وأما «الفارقليط» روح القدس الذى يرسله أبى باسمى، فهو يعلمكم كل شىء، وهو يذكركم كلما قلته لكم.

فهل بعد هذا بيان؟ أليس هذا صريحا فى أن «الفارقليط» رسول يرسله الله، وهو روح القدس، وهو يصدق بالمسيح، ويظهر اسمه أنه رسول حق من الله، وليس بإله، وهو يعلم الخلق كل شىء، ويذكرهم كل ما قاله المسيح- عليه السّلام- لهم، وكل ما أمرهم به من توحيد الله.

وأما قوله «أبى» فهذه اللفظة مبدلة محرفة، وليست منكرة الاستعمال عند أهل الكتابين، إشارة إلى الرب سبحانه، لأنها عندهم لفظة تعظيم، يخاطب بها المتعلم معلمه الذى يستمد منه العلم. ومن المشهور مخاطبة النصارى عظاماء دينهم بالآباء الروحانية، ولم تزل بنو إسرائيل وبنو عيصو يقولون نحن أبناء الله بسوء فهمهم عن الله تعالى.

وأما قوله «يرسله أبى باسمى» فهو إشارة إلى شهادة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- له بالصدق والرسالة، وما تضمنه القرآن من مدحه عما افترى فى أمره. وفى ترجمة أخرى للإنجيل، أنه قال: «الفارقليط» إذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ما يسمع يكلمهم به، ويسوسهم بالحق، ويخبرهم بالحوادث. وهو عند ابن طغر بك لفظ: فإذا جاء روح الحق، ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بكل ما يأتى، وهو يمجدنى لأنه يأخذ مما هو لى ويخبركم. فقوله «ليس ينطق من عنده» وفى الرواية الآخرى: «ولا يقول من تلقاء نفسه بل يتكلم بكل ما يسمع» أى: من الله الذى أرسله، وهذا كما قال تعالى فى حقه- صلى الله عليه وسلم-: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «١» .


(١) سورة النجم: ٣، ٤.