للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن قلنا إن المراد بها القرآن فهو استدلال بمعجزته- صلى الله عليه وسلم- على صدقه وبراءته، وأنه ما ضل ولا غوى، وإن قلنا إن المراد النبات، فالنبات به نبات القوى الجسمانية وصلاحها، والقوى العقلية أولى بالصلاح، وذلك بالرسل وإيضاح السبل. وتأمل كيف قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ «١» ولم يقل:

ما ضل محمد، تأكيدا لإقامة الحجة عليهم بأنه صاحبهم، وهم أعلم الخلق به وبحاله وأقواله وأعماله، وأنهم لا يعرفونه بكذب ولا غى ولا ضلال، ولا ينقمون عليه أمرا واحدا قط، وقد نبه تعالى على هذا المعنى بقوله عز وجل:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ «٢» . ثم نزه نطق رسوله- صلى الله عليه وسلم- أن يصدر عن هوى فقال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «٣» ولم يقل:

وما ينطق بالهوى، لأن نفى نطقه عن الهوى أبلغ، فإنه يتضمن أن نطقه لا يصدر عن هوى، وإذا لم يصدر عن هوى فكيف ينطق به، فيتضمن هو الأمرين: نفى الهوى عن مصدر النطق، ونفيه عن النطق نفسه، فنطقه بالحق ومصدره الهدى والرشاد، لا الغى والضلال.

ثم قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى «٤» فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أى: ما نطقه إلا وحى يوحى، وهذا أحسن من جعل الضمير عائدا إلى القرآن، فإن نطقه بالقرآن والسنة، وإن كليهما وحى، قال الله تعالى: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ

«٥» وهما القرآن والسنة.

وذكر الأوزاعى عن حسان بن عطية قال: كان جبريل ينزل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن يعلمه إياها.

ثم أخبر تعالى فى وصف من علمه الوحى والقرآن بما يعلم أنه مضاد لأوصاف الشيطان معلم الضلال والغواية فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى «٦»


(١) سورة النجم: ٢.
(٢) سورة المؤمنون: ٦٩.
(٣) سورة النجم: ٣، ٤.
(٤) سورة النجم: ٤.
(٥) سورة النساء: ١١٣.
(٦) سورة النجم: ٥.