للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو جبريل، أى قواه العلمية والعملية كلها شديدة، ولا شك أن مدح المعلم مدح للمتعلم. فلو قال: علمه جبريل ولم يصفه لم يحصل للنبى- صلى الله عليه وسلم- به فضيلة ظاهرة. وهذا نظير قوله تعالى: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ «١» كما سيأتى البحث فيه- إن شاء الله تعالى-.

ثم أخبر سبحانه وتعالى عن تصديق فؤاده لما رأته عيناه. وأن القلب صدق العين، وليس كمن رأى شيئا على خلاف ما هو به، فكذب فؤاده بصره، بل ما رآه ببصره صدقه الفؤاد، وعلم أنه كذلك. وفى حديث قصة الإسراء مزيد لما ذكرته هنا، والله الموفق والمعين.

وقال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ إلى قوله:

وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ «٢» . أى: لا أقسم إذا الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم. أو: أقسم، و «لا» مزيدة للتأكيد، وهذا قول أكثر المفسرين بدليل قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ «٣» . قال الزمخشرى:

والوجه أن يقال هى للنفى، أى أنه لا يقسم بالشىء إلا إعظاما له، فكأنه بإدخال حرف النفى يقول: إن إعظامى بإقسامى كلا إعظام، يعنى أنه يستأهل فوق ذلك.

أقسم سبحانه وتعالى بالنجوم فى أحوالها الثلاثة: فى طلوعها وجريانها وغروبها، وبانصرام الليل وإقبال النهار عقيبه من غيره فصل، فذكر سبحانه وتعالى حالة ضعف هذا وإدباره، وحالة قوة هذا وتنفسه وإقباله، يطرد ظلمة الليل بتنفسه، فكلما تنفس هرب الليل وأدبر بين يديه، وذلك من آياته ودلائل ربوبيته أن القرآن قول رسول كريم، وهو هنا جبريل، لأنه ذكر صفته قطعا بعد ذلك بما يعينه به.

وأما رَسُولٍ كَرِيمٍ فى «الحاقة» ٤٠ فهو محمد- صلى الله عليه وسلم-. فأضافه


(١) سورة التكوير: ٢٠.
(٢) سورة التكوير: ١٥- ٢٥.
(٣) سورة الواقعة: ٧٦.