للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلم-، لأنه قد تقدم وصف الرسول الملكى بالأمانة ثم قال وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ «١» ثم قال: وما هو: أى وما صاحبكم بمتهم وبخيل فنفى سبحانه عن رسوله- صلى الله عليه وسلم- ذلك كله، وزكى سند القرآن أعظم تزكية. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.

وقال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (٣٨) وَما لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ «٢» الآية. أقسم تعالى بالأشياء كلها، ما يبصرون منها وما لا يبصرون، وهذا أعمّ قسم وقع فى القرآن، فإنه يعم العلويات والسفليات، والدنيا والآخرة، وما يرى وما لا يرى ويدخل فى ذلك الملائكة كلهم والجن والإنس والعرش والكرسى وكل مخلوق، وذلك من آيات قدرته وربوبيته، ففى ضمن هذا القسم أن كل ما يرى وما لا يرى آية ودليل على صدق رسوله- صلى الله عليه وسلم-، وأن ما جاء به هو من عند الله تعالى وهو كلامه تعالى، لا كلام شاعر ولا مجنون، ولا كاهن، وأنه حق ثابت كما أن سائر الموجودات ما يرى منها وما لا يرى حق، كما قال تعالى: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ «٣» فكأنه سبحانه وتعالى يقول: إن القرآن حق كما أن ما تشاهدونه من الخلق وما لا تشاهدونه حق موجود، ويكفى الإنسان من جميع ما يبصره «نفسه» ومبدأ خلقه ونشأته وما يشاهد من أحواله ظاهرا وباطنا، ففى ذلك أبين دلالة على وحدانية الرب سبحانه وثبوت صفاته وصدق ما أخبر به رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ومن لم يباشر قلبه ذلك حقيقة لم يخالط بشاشة الإيمان قلبه.

ثم أقام سبحانه البرهان القاطع على صدق رسوله، وأنه لم يتقول عليه فيما قاله، وأنه لو تقول عليه وافترى لما أقره ولعاجله بالإهلاك، فإن كمال علمه وقدرته وحكمته تأبى أن يقر من تقول عليه وافترى عليه، وأضل عباده


(١) سورة التكوير: ٢٢.
(٢) سورة الحاقة: ٣٨- ٤٠.
(٣) سورة الذاريات: ٢٣.