للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصل الإيمان الذى لا يتم إلا باعتقادها، ومن أنكرها كفر قطعا، وأما رؤيته لربه تعالى فغايتها أن تكون مسألة نزاع لا يكفر جاحدها بالاتفاق. وقد صرح جماعة من الصحابة بأنه لم يره، فنحن إلى تقرير رؤيته لجبريل أحوج منا إلى تقرير رؤيته لربه تعالى، وإن كانت رؤية الرب سبحانه أعظم من رؤية جبريل، فإن النبوة لا يتوقف ثبوتها عليها ألبتة.

ثم نزه تعالى رسوليه كليهما- صلى الله عليهما وسلم-، أحدهما بطريق النطق، والثانى بطريق اللزوم عما يضاد مقصود الرسالة من الكتمان الذى هو الضنة والبخل والتبديل والتغيير الذى يوجب التهمة، فقال: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ «١» فإن الرسالة لا يتم مقصودها إلا بأمرين: أدائها من غير كتمان وأدائها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان. والقراءتان كالآيتين، تضمنت إحداهما- وهى قراءة الضاد- تنزيهه عن البخل، فإن الضنين: البخيل، يقال: ضننت به أضن، بوزن: بخلت أبخل ومعناه، وقال ابن عباس: ليس ببخيل بما أنزل الله، وقال مجاهد: لا يضن عليهم بما يعلم.

وأجمع المفسرون على أن الغيب هاهنا: القرآن والوحى. قال الفراء:

يقول الله تعالى: يأتيه غيب من السماء وهو منفوس فيه، فلا يضنن به عليكم. وهذا معنى حسن جدّا، فإن عادة النفوس الشح بالشىء النفيس، ولا سيما عمن لا يعرف قدره، ومع هذا فالرسول- صلى الله عليه وسلم- لا يبخل عليكم بالوحى الذى هو أنفس شىء وأجله. وقال أبو على الفارسى: المعنى يأتيه الغيب فيبينه ويخبر به ويظهره ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده ويخفيه حتى يأخذ عليه حلوانا.

وأما قراءة من قرأ (بظنين) بالظاء فمعناه: المتهم، يقال: ظننت زيدا بمعنى اتهمته وليس هو من الظن الذى هو الشعور والإدراك، فإن ذلك يتعدى إلى مفعولين، والمعنى: وما هذا الرسول على القرآن بمتهم، بل هو أمين فيه لا يزيد فيه ولا ينقص منه. وهذا يدل على أن الضمير فيه يرجع إلى محمد


(١) سورة التكوير: ٢٤.