للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الآية يجب أن يكون شيئا أعظم من ذلك، وهو الحث على الطاعة والترغيب فيها، فإنا نعلم أن خصوص السبب لا يقدح فى عموم اللفظ، فهذه الآية عامة فى حق جميع المكلفين، وهو أن كل من أطاع الله وأطاع الرسول فقد فاز بالدرجات العالية والمراتب الشريفة عنده تعالى.

ثم إن ظاهر قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ «١» أنه يكفى الاكتفاء بالطاعة الواحدة، لأن اللفظ الدال على الصفة يكفى فى جانب الثبوت حصول ذلك المسمى مرة واحدة، لكن لابد أن يحمل على غير ظاهره، وأن تحمل الطاعة على فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات، إذ لو حملناه على الطاعة الواحدة لدخل فيه الفساق والكفار، لأنهم قد يأتون بالطاعة الواحدة.

قال الرازى: قد ثبت فى أصول الفقه أن الحكم المذكور عقب الصفة مشعر بكون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف، وإذا ثبت هذا فنقول: قوله:

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ «٢» أى فى كونه إلها، وطاعة الله فى كونه إلها هى معرفته والإقرار بجلالته وعزته وكبريائه وصمديته، فصارت هذه تنبيها على أمرين عظيمين من أحوال المعاد:

فالأول: أن منشأ جميع السعادات يوم القيامة إشراف الروح بأنوار معرفة الله، فكل من كانت هذه الأنوار فى قلبه أكثر، وصفاؤها أقوى كان إلى السعادة أقرب، وإلى الفوز بالنجاة أوصل.

والثانى: أن الله تعالى ذكر فى الآية السابقة وعد أهل الطاعة بالأجر العظيم والثواب الجزيل، ثم ذكر فى هذه الآية وعدهم بكونهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وليس المراد بكون من أطاع الله وأطاع الرسول مع النبيين والصديقين كون الكل فى درجة واحدة، لأن هذا يقتضى التسوية فى الدرجة بين الفاضل والمفضول، وذلك لا يجوز، فالمراد كونهم فى


(١) سورة النساء: ٦٩.
(٢) سورة النساء: ٦٩.