للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد المكان، لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضا، وإذا أرادوا الرؤية والتلاقى قدروا على ذلك، فهذا هو المراد من هذه المعية، وقد ثبت وصح عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

«المرء مع من أحب» «١» ، وثبت عنه أيضا أنه قال: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا نزلتم منزلا إلا وهم معكم حبسهم العذر» «٢» ، فالمعية والصحبة الحقيقية إنما هى بالسر والروح لا بمجرد البدن، فهى بالقلب لا بالقالب، ولهذا كان النجاشى معه- صلى الله عليه وسلم- ومن أقرب الناس إليه، وهو بين النصارى بأرض الحبشة، وعبد الله بن أبى من أبعد الخلق عنه، وهو معه فى المسجد، وذلك أن العبد إذا أراد بقلبه أمرا من طاعة أو معصية أو شخص من الأشخاص فهو بإرادته ومحبته معه لا يفارقه، فالأرواح تكون مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضى الله عنهم-، وبينها وبينهم من المسافة الزمانية والمكانية بعد عظيم.

وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ «٣» . وهذه الآية الشريفة تسمى: آية المحبة، قال بعض السلف:

ادعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحبة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي «٤» وقال تعالى: يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «٥» إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها، فدليلها وعلامتها اتباع الرسول، وفائدتها وثمرتها محبة المرسل لكم، فما لم تحصل المتابعة فلا محبة لكم حاصلة، ومحبته لكم منتفية، فجعل سبحانه اتباع رسوله- صلى الله عليه وسلم- مشروطا بمحبتهم لله، وشرطا لمحبة الله لهم، ووجود المشروط ممتنع بدون وجود تحقق شرطه، فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة،


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦١٦٨ و ٦١٦٩) فى الأدب، باب: علامة الحب فى الله عز وجل، ومسلم (٢٦٤٠) فى البر والصلة، باب: المرء مع من أحب، من حديث عبد الله ابن مسعود- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٤٤٢٣) فى المغازى، باب: نزول النبى- صلى الله عليه وسلم- الحجر، من حديث أنس- رضى الله عنه-.
(٣) سورة آل عمران: ٣١.
(٤) سورة آل عمران: ٣١.
(٥) سورة آل عمران: ٣١.