للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالإيمان به- صلى الله عليه وسلم- واجب متعين- على كل أحد. لا يتم إيمان إلا به ولا يصح إسلام إلا معه، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً «١» أى ومن لم يؤمن بالله ورسوله فهو من الكافرين، وإنا أعتدنا للكافرين سعيرا.

وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ «٢» الآية. معناه: فوربك، كقوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «٣» و «لا» مزيدة للتأكيد لمعنى القسم، كما فى لِئَلَّا يَعْلَمَ «٤» ولا يؤمنون جواب. أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول فى جميع أموره، ويرضى بجميع ما حكم به، وينقاد له ظاهرا وباطنا، سواء كان الحكم بما يوافق أهواءهم أو يخالفهم، كما ورد فى الحديث: «والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» «٥» ، وهذا يدل على أن من لم يرض بحكم الرسول- صلى الله عليه وسلم- لا يكون مؤمنا، وعلى أنه لابد من حصول الرضا بحكمه فى القلب، وذلك بأن يحصل الجزم والتيقن فى القلب بأن الذى يحكم به- صلى الله عليه وسلم- هو الحق والصدق، فلابد من الانقياد باطنا وظاهرا، وسيأتى مزيد بيان لذلك- إن شاء الله تعالى- فى مقصد محبته- صلى الله عليه وسلم-. ثم إن ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه، وأنه لا يجوز العدول عنه إلى غيره.

وقوله: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ «٦» مشعر بذلك، لأنه متى خطر بقلبه قياس يقتضى ضد مدلول النص فهناك يحصل الحرج فى


(١) سورة الفتح: ١٣.
(٢) سورة النساء: ٦٥.
(٣) سورة الحجر: ٩٢.
(٤) سورة الحديد: ٢٩.
(٥) أخرجه الحكيم الترمذى وأبو نصر السجزى فى الإبانة وقال: حسن غريب، والخطيب عن ابن عمرو، كما فى «كنز العمال» (١٠٨٤) .
(٦) سورة النساء: ٦٥.