للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبوديته ونصحه، وهبت له وسامحته وعفوت عنه بما لا تفعله مع غيره.

فالمعاملتان بحسب ما بينك وبينه.

وقد ظهر اعتبار هذا المعنى فى الشرع، حيث جعل حد من أنعم عليه بالتزويج إذا تعداه إلى الزنا الرجم، وحد من لم يعطه هذه النعمة الجلد، وكذلك ضاعف الحد على الحر الذى قد ملكه نفسه وأتم عليه نعمته ولم يجعله مملوكا لغيره، وجعل حد العبد المنقوص بالرق- الذى لم يجعل له هذه النعمة- نصف ذلك. فسبحان من بهرت حكمته فى خلقه.

فلله سر تحت كل لطيفة ... فأخو البصائر غائص يتعقل

انتهى ملخصا.

وأما قوله تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ «١» . فقيل:

معناه ما كنت تدرى الإيمان على التفصيل الذى شرع لك فى القرآن. وقال أبو العالية: هو بمعنى الدعوة إلى الإيمان، لأنه كان قبل الوحى لا يقدر أن يدعو إلى الإيمان بالله تعالى. وقيل: معناه أنه ما كان يعرف الإيمان حين كان فى المهد وقيل البلوغ. حكاه الماوردى والواحدى والقشيرى. وقيل: إنه من باب حذف المضاف، أى ما كنت تدرى أهل الإيمان، أى من الذى يؤمن، أبو طالب، أو العباس، أو غيرهما. وقيل: المراد به شرائع الإيمان ومعالمه وهى كلها إيمان، وقد سمى الله الصلاة بقوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «٢» أى صلاتكم إلى بيت المقدس، فيكون اللفظ عامّا والمراد الخصوص. قاله ابن قتيبة وابن خزيمة. وقد اشتهر فى الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يوحد الله ويبغض الأوثان ويحج ويعتمر. وروى أبو نعيم وابن عساكر عن على قال: قيل للنبى- صلى الله عليه وسلم- هل عبدت وثنا قط؟ قال: «لا» ، قيل: فهل شربت خمرا قط؟ قال:

«لا، وما زلت أعرف أن الذى هم عليه كفر. وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الإيمان» .


(١) سورة الشورى: ٥٢.
(٢) سورة البقرة: ١٤٣.