فكيف ننهض ببعض شكره، أو نقوم من واجب حقه بمعشار عشره، فقد منحنا الله به منح الدنيا والآخرة، وأسبغ علينا نعمه باطنة وظاهرة، فاستحق أن يكون حظه من محبتنا له أوفى وأزكى من محبتنا لأنفسنا وأولادنا وأموالنا وأهلينا والناس أجمعين، بل لو كان فى منبت كل شعرة منا محبة تامة له- صلوات الله وسلامه عليه- لكان ذلك بعض ما يستحقه علينا.
وقد روى أبو هريرة أنه- صلى الله عليه وسلم- قال:«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»«١» رواه البخارى.
وقدم الوالد للأكثرية، لأن كل أحد له والد، من غير عكس، وفى رواية النسائى تقديم الولد على الوالد وذلك لمزيد الشفقة، وزاد فى رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس (والناس أجمعين) ، وفى صحيح ابن خزيمة:(من أهله وماله) بدل (من والده وولده) وذكر الوالد والولد أدخل فى المعنى لأنهما أعز على العاقل من الأهل والمال، بل ربما يكونان أعز من نفسه، ولذا لم يذكر «النفس» فى حديث أبى هريرة، وذكر الناس بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص.
قال الخطابى: والمراد بالمحبة هنا، حب الاختيار لا حب الطبع. وقال النووى: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فإن من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبى- صلى الله عليه وسلم- راجحا، ومن رجح جانب الأمارة كان حكمه بالعكس.
وفى كلام القاضى عياض: أن ذلك شرط فى صحة الإيمان، لأنه حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال. وتعقبه صاحب المفهم: بأن ذلك ليس مرادا، لأن اعتقاد الأعظيمة ليس مستلزما للمحبة، إذ قد يجد الإنسان إعظام
(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٤) فى الإيمان، باب: حب الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، وأخرجه البخارى (١٥) فيما سبق، ومسلم (٤٤) فى الإيمان، باب: وجوب محبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أكثر من الأهل والولد، من حديث أنس- رضى الله عنه-.