للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شىء مع خلوه من محبته. قال: فعلى هذا من لم يجد من نفسه ذلك الميل لم يكمل إيمانه، وإلى هذا يومئ قول عمر فى الحديث الذى رواه البخارى فى «الأيمان والنذور» من حديث عبد الله بن هشام أن عمر بن الخطاب قال للنبى- صلى الله عليه وسلم-: لأنت يا رسول الله أحب إلى من كل شىء إلا نفسى التى بين جنبى، فقال النبى- صلى الله عليه وسلم-: «لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه» فقال عمر: والذى أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلى من نفسى التى بين جنبى، فقال له النبى- صلى الله عليه وسلم-: «الآن يا عمر» »

. فهذه المحبة ليست باعتقاد الأعظيمة فقط. فإنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا.

وفى رواية فقال- صلى الله عليه وسلم-: «لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك» قال بعض الزهاد: تقدير الكلام، لا تصدق فى حبى حتى تؤثر رضاى على هواك وإن كان فيه الهلاك.

وأما وقوف عمر فى أول أمره، واستثناؤه نفسه، فلأن حب الإنسان نفسه طبع، وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب، وإنما أراد- صلى الله عليه وسلم- منه حب الاختيار، إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه. وعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبى- صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من نفسه لكونه السبب فى نجاتها من الهلكات فى الدنيا والآخرة، فأخبره بما اقتضاه الاختيار، فذلك حصل الجواب بقوله (الآن يا عمر) أى الآن عرفت فنطقت بما يجب.

وإذا كان هذا شأن نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- عبد الله ورسوله فى محبتنا له ووجوب تقديمها على محبة أنفسنا وأولادنا ووالدينا والناس أجمعين، فما الظن بمحبة الله تعالى ووجوب تقديمها على محبة ما سواه، ومحبة الله تعالى تختص عن محبة غيره فى قدرها وصفتها، وإفراده سبحانه وتعالى بها، فإن الواجب له من ذلك أن يكون أحب إلى العبد من ولده ووالده، بل من سمعه


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٦٣٢) فى الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبى- صلى الله عليه وسلم-.