وبصره ونفسه التى بين جنبيه، فيكون إلهه الحق، ومعبوده أحب إليه من ذلك كله. والشىء قد يحب من وجه دون وجه، وقد يحب لغيره وليس شىء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده، ولا تصلح الألوهية إلا له تعالى.
والتأله هو المحبة والطاعة والخضوع.
ومن علامات الحب المذكور لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يعرض الإنسان على نفسه أنه لو خير بين فقد غرض من أغراضه وفقد رؤية النبى- صلى الله عليه وسلم- أن لو كانت ممكنة، فإن كان فقدها أشد عليه من فقد شىء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ومن لا فلا.
قال القرطبى: كل من آمن بالنبى- صلى الله عليه وسلم- إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شىء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من يأخذ بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقا فى الشهوات محجوبا فى الغفلات فى أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبى- صلى الله عليه وسلم- اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وماله وولده ويبذل نفسه فى الأمور الخطيرة ويجد رجحان ذلك من نفسه وجدانا لا تردد فيه. وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر، لما وقر فى قلوبهم من محبته، غير أن ذلك سريع الزوال لتوالى الغفلات، انتهى.
فكل مسلم فى قلبه محبة الله ورسوله، لا يدخل فى الإسلام إلا بها، والناس متفاوتون فى محبته- صلى الله عليه وسلم- بحسب استحضار ما وصل إليهم من جهته- عليه الصلاة والسلام- من النفع الشامل لخير الدارين والغافلة عن ذلك. ولا شك أن حظ الصحابة- رضى الله عنهم- فى هذا المعين أتم، لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم.
وقد روى ابن إسحاق- كما حكاه فى الشفاء- أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: ما فعل رسول