قال: وفى حديث آخر: كان رجل عند النبى- صلى الله عليه وسلم- ينظر إليه لا يطرف، فقال:«ما بالك؟» فقال: بأبى أنت وأمى، أتمتع بالنظر إليك، فإذا كان يوم القيامة رفعك الله بتفضيله، فأنزل الله الآية.
وذكره البغوى فى تفسيره بلفظ: نزلت- أى الآية- فى ثوبان مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكان شديد الحب لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم قد تغير لونه يعرف الحزن فى وجهه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«ما غير لونك؟» فقال: يا رسول الله، ما بى مرض ولا وجع غير أنى إن لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أن لا أراك، لأنك ترفع مع النبيين، وأنى إن دخلت الجنة كنت فى منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدا، فنزلت هذه الآية وكذا ذكره الواحدى فى «أسباب النزول» ، وعزاه للكلبى عن ثوبان.
وقال قتادة: قال بعض أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم-: كيف يكون الحال فى الجنة وأنت فى الدرجات العلى ونحن أسفل منك فكيف نراك؟ فأنزل الله الآية. وذكره ابن ظفر فى «ينبوع الحياة»«١» بلفظ: إن عامر الشعبى قال: إن رجلا من الأنصار أتى النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلى من نفسى ومالى وولدى وأهلى، ولولا أن آتيك فأراك لرأيت أن أموت أو قال أن سوف أموت، وبكى الأنصارى، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما أبكاك؟» قال: بكيت أن ذكرت أنك ستموت ونموت، فترفع مع النبيين، ونكون نحن إن دخلنا الجنة دونك، فلم يحر النبى- صلى الله عليه وسلم- إليه، بمعنى أى: لم يرجع إليه بقول، فأنزل الله الآية.
قال: وذكر مقاتل بن سليمان مثل هذا، وقال: هو عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصارى الذى رأى الأذان. وذكر أيضا: أن عبد الله بن زيد هذا كان يعمل فى جنة له فأتاه ابنه فأخبره أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قد توفى فقال: اللهم أذهب بصرى حتى لا أرى بعد حبيبى محمد أحدا، فكف بصره.
(١) هو كتاب تفسير، لأبى عبد الله بن ظفر، محمد بن محمد الصقلى، المتوفى سنة ٥٦٨ هـ.