واعلم أنه لا يمكن أن يجتمع فى القلب حبان، فإن المحبة الصادقة تقتضى توحيد المحبوب، فليختر المرء لنفسه إحدى المحبتين فإنهما لا يجتمعان فى القلب، والإنسان عند محبوبه كائنا ما كان كما قيل:
أنت القتيل بأى من أحببته ... فاختر لنفسك فى الهوى من تصطفى
ولبعض الحكماء: كما أن الغمد لا يتسع لعضبين فكذلك القلب لا يتسع لحبين، ولذلك لازم إقبالك على من تهواه إعراضك عن كل شىء سواه فمن داهن فى المحبة أو داجى، فقد عرض لمدى الغيرة أوداجا، فمحبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- بل تقديمه فى الحب على الأنفس والآباء والأبناء- لا يتم الإيمان إلا بها، إذ محبته من محبة الله.
وقد حكى عن أبى سعيد الخراز- مما ذكره القشيرى فى رسالته- أنه قال: رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم- فى المنام، فقلت: يا رسول الله اعذرنى فإن محبة الله شغلتنى عن محبتك، فقال لى:«يا مبارك من أحب الله فقد أحبنى» .
وقيل إن ذلك وقع لامرأة من الأنصار معه- صلى الله عليه وسلم- يقظة، ولابن أبى المجد.
ألا يا محب المصطفى زد صبابة ... وضمخ لسان الذكر منك بطيبه
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ... علامة حب الله حب حبيبه
وكذلك كل حب فى الله ولله، كما فى الصحيحين، عن أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:«ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار»«١» ، فعلق ذوق الإيمان بالرضى بالله ربّا، وعلق وجدان حلاوته بما هو موقوف عليه ولا يتم إلا به، وهو كونه سبحانه أحب الأشياء إلى العبد هو ورسوله، فمن رضى الله ربّا رضيه الله له عبدا.
(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٦) فى الإيمان، باب: حلاوة الإيمان، ومسلم (٤٣) فى الإيمان، باب: بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، من حديث أنس- رضى الله عنه-.