قال: ويحتمل معنى آخر أدق من الذى قبله: وهو: أن يكون بمعنى مسموعه، لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول، مثل: فلان أملى، بمعنى:
مأمولى، والمعنى: أنه لا يسمع إلا ذكرى ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابى ولا يأنس إلا بمناجاتى، ولا ينظر إلا فى عجائب ملكوتى، ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاى، ورجله كذلك.
وقال غيره: اتفق العلماء- ممن يعتد بقولهم- على أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته، حتى كأنه سبحانه تنزل عنده منزلة الآلات التى يستعين بها، ولهذا وقع فى رواية:«فبى يسمع وبى يبصر وبى يبطش وبى يمشى» . قال: والاتحادية زعموا أنه على حقيقته، وأن الحق عين العبد، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوّا كبيرا.
وقال الخطابى: عبر بذلك عن سرعة إجابة الدعاء، والنجح فى الطلب، وذلك أن مساعى الإنسان كلها إنما تكون بهذه الجوارح المذكورة.
وعن أبى عثمان الجيزى- أحد أئمة الطريق- قال: معناه كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه فى الإسماع وعينه فى النظر، ويده فى اللمس ورجله فى المشى. كذا أسنده عنه البيهقى فى «الزهد»«١» .
وحمله بعض أهل الزيغ على ما يدعونه، من أن العبد إذا لازم العبادة الظاهرة والباطنة حتى يصفى من الكدورات، أنه يصير فى معنى الحق، تعالى الله عن ذلك، وأنه يفنى عن نفسه جملة، حتى يشهد أن الله هو الذاكر لنفسه، والموحد لنفسه، والمحب لنفسه، وأن هذه الأسباب والرسوم تصير عدما صرفا. وعلى هذه الأوجه كلها فلا متمسك فيه للاتحادية ولا القائلين بالوحدة المطلقة، لقوله فى بقية الحديث (ولئن سألنى) ، زاد فى رواية عبد الواحد (عبدى) . انتهى ملخصا.
قال العلامة ابن القيم: بتضمن هذا الحديث الشريف الإلهى- الذى حرام على غليظ الطبع كثيف القلب فهم معناه والمراد به- حصر أسباب