للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محبته فى أمرين، أداء فرائضه، والتقرب إليه بالنوافل، وأن المحب لا يزال يكثر من النوافل حتى يصير محبوبا لله، فإذا صار محبوبا لله أوجبت محبة الله له محبة أخرى منه لله فوق المحبة الأولى، فشغلت هذه المحبة قلبه عن الفكرة والاهتمام بغير محبوبه، وملك عليه روحه، ولم يبق فيه سعة لغير محبوبه ألبتة، فصار ذكر محبوبه وحبه مثله الأعلى مالكا لزمام قلبه، مستوليا على روحه استيلاء المحبوب على محبه الصادق فى محبته التى قد اجتمعت قوى محبه كلها له، ولا ريب أن هذا المحب إن سمع سمع بمحبوبه وإن أبصر أبصر به، وإن مشى مشى به، فهو فى قلبه ونفسه، وأنيسه وصاحبه. والباء- هنا- باء المصاحبة، وهى مصاحبة لا نظير لها، ولا تدرك بمجرد الإخبار عنها والعلم بها، فالمسألة حالية «١» لا علمية محضة.

قال: ولما حصلت الموافقة من العبد لربه فى محابه، حصلت موافقة الرب لعبده فى حوائجه ومطالبه فقال: «ولئن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه» أى كما وافقنى فى مرادى بامتثال أوامرى، والتقرب إلى بمحابى، فأنا أوافقه فى رغبته ورهبته فيما يسألنى أن أفعله به، وفيما يستعذ بى أن يناله. وقوى أمر هذه الموافقة من الجانبين حتى اقتضى تردد الرب سبحانه فى إماتة عبده لأنه يكره الموت، والرب تعالى يكره ما يكره عبده، ويكره مساءته فمن هذه الجهة يقتضى أن لا يميته ولكن مصلحته فى إماتته، فإنه ما أماته إلا ليحييه، ولا أمرضه إلا ليصحه، ولا أفقره إلا ليغنيه، ولا منعه إلا ليعطيه، ولم يخرجه من الجنة فى صلب أبيه آدم إلا ليعاد إليها على أحسن أحواله، فهذا هو الحبيب على الحقيقة لا سواه، انتهى.

وقال الخطابى: التردد فى حق الله غير جائز، والبداء عليه فى الأمور غير سائغ، ولكن له تأويلان:

أحدهما: أن العبد قد يشرف على الهلاك فى أيام عمره من داء يصيبه، أو فاقة تنزل به، فيدعو الله فيشفيه منها، ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك


(١) حالية: نسبة إلى حال النفس.