من فعله كتردد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه، ولابد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله، لأن الله تعالى قد كتب الفناء على خلقه، واستأثر بالبقاء لنفسه.
والثانى: أن يكون معناه: ما رددت رسلى فى شىء أنا فاعله كترديدى إياهم فى قبض نفس عبدى المؤمن، كما روى فى قصة موسى- عليه الصلاة والسلام-، وما كان من لطمه عين ملك الموت، وتردده إليه مرة بعد أخرى «١» . قال: وحقيقة المعنى- على الوجهين- عطف الله على العبد، ولطفه به، وشفقته عليه.؟ وقال الكلاباذى ما حاصله: أنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات، يعنى باعتبار متعلقها، أى عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته فى الحياة إلى محبته للموت، فيقبض على ذلك.
قال: وقد يحدث الله تعالى فى قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت، فضلا عن إزالة الكراهة عنه، انتهى.
وبالجملة: فلا حياة للقلب إلا بمحبة الله ومحبة رسوله، ولا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعينهم بحبيبهم وسكنت نفوسهم إليه واطمأنت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه وتنعموا بمحبته، ففى القلب طاقة لا يسدها إلا محبة الله ورسوله ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم وآلام وحسرات.
قال صاحب المدارج: ولن يصل العبد إلى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية حتى يعرف الله ويهتدى إليه بطرق توصله إليه، ويحرق ظلمات الطبع بأشعة البصيرة، فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة، فينجذب إليها بكليته،
(١) هذه القصة أخرجها البخارى (١٣٣٩) فى الجنائز، باب: من أحب الدفن فى الأرض المقدسة، ومسلم (٢٣٧٢) فى الفضائل، باب: من فضائل موسى- صلى الله عليه وسلم-، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.