ويزهد فى التعلقات الفانية، ويدأب فى تصحيح التوبة، والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات الظاهرة والباطنة، ثم يقوم حارسا على قلبه فلا يسامحه بخطرة يكرهها الله تعالى، ولا بخطرة فضول لا تنفعه، فيصفو لذلك قلبه بذكر ربه ومحبته والإنابة إليه، ويخرج من بين بيوت طبعه ونفسه، إلى فضاء الخلوة بربه وذكره، كما قال:
وأخرج من بين البيوت لعلنى ... أحدث عنك النفس فى السر خاليا
فحينئذ يجتمع قلبه وخواطره وحديث نفسه على إرادة ربه وطلبه والشوق إليه، فإذا صدق فى ذلك رزق محبة الرسول، واستولت روحانيته على قلبه، فجعله إمامه وأستاذه ومعلمه وشيخه وقدوته، كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديه، فيطالع سيرته ومبادى أموره، وكيفية نزول الوحى عليه، ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه وحركاته وسكونه، ويقظته ومنامه، وعبادته ومعاشرته لأهله وأصحابه، إلى غير ذلك مما منحه الله تعالى، مما ذكرت بعضه، حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه، فإذا رسخ فى قلبه ذلك فتح عليه من ربه بحيث إذا قرأ السورة شاهد قلبه ماذا أنزلت فيه، وماذا أريد بها، وحظه المختص به منها، من الصفات والأخلاق والأفعال المذمومة، فيجهد فى التخلص منها، كما يجتهد فى تحصيل الشفاء من المرض المخوف.
ولمحبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- علامات: أعظمها الاقتداء به، واستعمال سنته، وسلوك طريقته، والاهتداء بهديه وسيرته، والوقوف مع ما حدّ لنا من شريعته. قال الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ «١» فجعل تعالى متابعة الرسول- صلى الله عليه وسلم- آية محبة العبد ربه، وجعل جزاء العبد على حسن متابعة الرسول محبة الله تعالى إياه، وقد قال الحكيم- وهو محمود الوراق- كما أفاده المحاسبى فى كتابه «القصد والرجوع» :
تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرى فى القياس بديع