الشافعى قدوة يقتدى به، والمقام مقام اجتهاد، فلا افتقار له فيه إلى غيره.
وأما قوله فى «الشفاء» : والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعى وإجماعهم عليه. ففيه نظر، لأنه إن أراد بالعمل الاعتقاد فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب، وأنى يوجد ذلك؟
وأما قوله: وقد شنع الناس عليه- يعنى الشافعى- فى هذه المسألة جدّا، فلا معنى له، وأى شناعة فى ذلك؟ ولم يخالف فيه نصّا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة. بل القول بذلك من محاسن مذهبه، ولا ريب أن القائل بجواز ترك الصلاة على أفضل خلق الله فى الصلاة التى هى رأس العبادة المطلوب فيها الخضوع واستحضار شارعها والثناء عليه أولى بالتشنيع.
وأما نقله الإجماع فقد تقدم ما فيه. وأما قوله: إن الشافعى اختار تشهد ابن مسعود، فلم يقل به أحد، والشافعى إنما اختار تشهد ابن عباس كما سيأتى- إن شاء الله تعالى- فى مقصد عباداته.
وقد استدل للوجوب بما أخرجه أبو داود والنسائى والترمذى وصححه، وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد قال: سمع النبى- صلى الله عليه وسلم- رجلا يدعو فى صلاته، لم يحمد الله ولم يصل على النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال:«عجل هذا» ، ثم دعاه إليه فقال:«إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد لله والثناء عليه، ثم ليصل على النبى- صلى الله عليه وسلم- ثم ليدع بما شاء»«١» .
قلت: ومما يعد من كرامات إمامنا الشافعى وسره السارى، أن القاضى عياضا ساق هذا الحديث بسنده من طريق الترمذى من غير أن يطعن فى سنده بعد قوله: «فصل فى المواطن التى تستحب فيها الصلاة على النبى- صلى الله عليه وسلم-
(١) صحيح: أخرجه أبو داود (١٤٨١) فى الصلاة، باب: الدعاء، والترمذى (٣٤٧٦) فى الدعوات، باب: جامع الدعوات عند النبى- صلى الله عليه وسلم-، والنسائى (٣/ ٤٤) فى السهو، باب: التمجيد والصلاة على النبى- صلى الله عليه وسلم- فى الصلاة، وأحمد فى «المسند» (٨/ ١٨) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .