للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روى ابن أبى شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير- أحد التابعين- بإسناد حسن قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير، ثلاثا، ولن يخزى الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها» «١» .

وروى أبو داود والترمذى من حديث أبى ثعلبة- رفعه-: «تأتى أيام للعامل فيها أجر خمسين» ، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: «بل منكم» «٢» وهو شاهد لحديث «مثل أمتى مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» لكن حديث «للعامل منهم أجر خمسين منكم» لا يدل على أفضلية غير الصحابة، لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضا:

الأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله فى ذلك العمل.

فأما ما فاز به من شاهد النبى- صلى الله عليه وسلم- من فضيلة المشاهدة، فلا يعدله فيها أحد، ولا ريب أن من قاتل معه أو فى زمانه بأمره، أو أنفق شيئا من ماله بسببه، لا يعدله أحد فى الفضل بعده كائنا من كان، قال الله تعالى:

لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا «٣» ، وكذلك من ضبط الشرع المتلقى عنه وبلغه لمن بعده.

فمحصل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة، وقد ظهر أنه فاز بما لم يفز به من لم يحصل له ذلك. وبهذا يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة.

ثم إن الصحابة على ثلاثة أصناف: الأول: المهاجرون، الثانى: الأنصار


(١) مرسل: أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنفه (٤/ ٢٠٦) و (٧/ ٤١٤) .
(٢) أخرجه أبو داود (٤٣٤١) فى الملاحم، باب: الأمر والنهى، والترمذى (٣٠٥٨) فى التفسير، باب: ومن سورة المائدة، وابن ماجه (٤٠٤١) فى الفتن، باب: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ من حديث أبى ثعلبة الخشنى- رضى الله عنه-.
(٣) سورة الحديد: ١٠.