للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ضبط الأئمة من الحفاظ آخر من مات من الصحابة على الإطلاق بلا خلاف أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثى، كما جزم به مسلم، وكان موته سنة مائة على الصحيح، وقيل سنة سبع ومائة، وقيل سنة عشر ومائة، وهو الذى صححه الذهبى، وهو مطابق لقوله- صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته بشهر-: «على رأسه مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد» . وفى رواية مسلم «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه ليس من نفس منفوسة تأتى عليها مائة سنة» «١» .

وأما ما ذكر أن عكراش بن ذؤيب عاش بعد يوم الجمل مائة سنة فذلك غير صحيح، وإن صح فمعناه أنه استكمل المائة بعد الجمل، لا أنه بقى بعدها مائة سنة، كما نص عليه الأئمة. وأما ما ذكر أيضا من أمر «بابارتن» «٢» ونحوه فإن ذلك لا يروج على من له أدنى مسكة من العقل، كما قاله الأئمة.

وأما آخر الصحابة موتا بالإضافة إلى النواحى فقد أفردهم ابن منده.

وأما قوله: «ثم الذين يلونهم» فهم أهل القرن الذين بعدهم، وهم التابعون، ثم الذين يلونهم وهم أتباع التابعين. واقتضى هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين. لكن هل هذه الفضيلة بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟

والذى ذهب إليه ابن عبد البر هو الأول، كما قدمت ذلك فى خصائص هذه الأمة من المقصد الرابع، واحتج لذلك- سوى ما تقدم- بحديث «مثل أمتى مثل المطر، لا يدرى آخره خير أم أوله» «٣» قال الحافظ ابن حجر: وهو حديث حسن، له طرق وقد يرتقى بها إلى درجة الصحة.


(١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٥٣٧) فى فضائل الصحابة، باب: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم» من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.
(٢) قاله الذهبى فى تجريده: رتن الهندى شيخ ظهر بعد الستمائة بالمشرق وادعى الصحبة، فسمع منه الجهلة، أو لا وجود له، بل اختلق اسمه بعض الكذابين، وإنما ذكرته تعجبا.
(٣) صحيح: أخرجه أحمد والترمذى عن أنس وأحمد عن عمار، وأبو يعلى عن على، والطبرانى عن ابن عمر وابن عمرو، كما فى «صحيح الجامع» (٥٨٥٤) .