للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دفنه «١» فالراجح أنه ليس صحابيّا، وإلا لعد من اتفق أنه رأى جسده المكرم وهو فى قبره المعظم، ولو فى هذه الأعصار، وكذلك من كشف له من الأولياء عنه- صلى الله عليه وسلم- فرآه كذلك على طريق الكرامة كما قدمت مباحث فى خصوصياته- صلى الله عليه وسلم- من المقصد الرابع، إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة، وهذا الحياة ليست دنيوية، وإنما هى أخروية لا تتعلق بها أحكام الدنيا، وأما من رآه فى المنام، وإن كان قد رآه حقّا. فذلك فيما يرجع إلى الأمور المعنوية، لا الأحكام الدنيوية، فلذلك لا يعد صحابيّا، ولا يجب عليه أن يعمل بما أمره به فى تلك الحالة.

وقد أجمع جمهور العلماء من السلف والخلف على أنهم خير خلق الله، وأفضلهم بعد النبيين وخواص الملائكة المقربين، لما روى البخارى من حديث عبد الله أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» «٢» وله من حديث عمران بن حصين «خير أمتى قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران: فلا أدرى أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا «٣» .

قال فى فتح البارى: والقرن أهل زمان واحد متقارب، اشتركوا فى أمر من الأمور المقصودة، ويطلق على مدة من الزمان، واختلفوا فى تحديدها، من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين، لكن لم أر من صرح بالتسعين ولا بمائة وعشرة، وما عدا ذلك فقد قال به قائل، وقال صاحب المحكم: هو القدر المتوسط من أعمار أهل كل زمن، وهذا أعدل الأقوال. والمراد بقرن النبى- صلى الله عليه وسلم- فى هذا الحديث الصحابة، وتقدم فى أول المقصد الأول حديث «بعثت من خير قرون بنى آدم» «٤» وفى رواية بريدة عند أحمد «خير هذه الأمة القرن الذى بعثت فيهم» «٥» .


(١) كما وقع لأبى ذؤيب الهذلى مثلا.
(٢) صحيح: وقد تقدم.
(٣) صحيح: وقد تقدم.
(٤) صحيح: أخرجه البخارى (٣٥٥٧) فى المناقب، باب: صفة النبى- صلى الله عليه وسلم-، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(٥) أخرجه أحمد فى «المسند» (٥/ ٣٥٧) .