للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المازرى: جمهور العلماء على إثبات السحر، لأن العقل لا ينكر أن الله قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو مزج قوى على ترتيب مخصوص. ونظير ذلك ما وقع من حذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب نافعا. وقيل: لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله فى قوله: يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ «١» ، لكون المقام مقام تهويل. فلو جاز أن يقع به أكثر من ذلك لذكره الله تعالى. وقال المازرى: والصحيح من جهة العقل أن يقع به أكثر من ذلك، قال: والآية ليست نصّا فى منع الزيادة، ولو قلنا إنها ظاهرة فى ذلك.

ثم قال: والفرق بين السحر والمعجزة والكرامة، أن السحر يكون معاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك، إنما تقع غالبا اتفاقا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدى.

ونقل إمام الحرمين: الإجماع على أن السحر لا يقع إلا من فاسق، وأن الكرامة لا تظهر على يد فاسق. ونقل نحوه النووى فى «زيادة الروضة» عن المتولى. وينبغى أن يعتبر حال من يقع منه الخارق، فإن كان متمسكا بالشريعة متجنبا للموبقات، فإن الذى يظهر على يديه من الخوارق كرامة وإلا فهو سحر.

وقال القرطبى: السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجود تركيبها وأوقاتها، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، كما قال تعالى عن سحرة فرعون وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ «٢» مع أن حبالهم وعصيهم لم يخرجوها عن كونها حبالا وعصيّا.

وقال أبو بكر الرازى فى «الأحكام» : (أخبر الله تعالى أن الذى ظنه


(١) سورة البقرة: ١٠٢.
(٢) سورة الأعراف: ١١٦.