للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موسى أنها تسعى لم يكن سعيّا، وإنما كان تخييلا، وذلك أن عصيهم كانت مجوفة وقد ملئت زئبقا، وكذلك الحبال كانت من أدم محشوة زئبقا، وقد حفروا قبل ذلك أسرابا وجعلوا لها آزاجا وملؤوها نارا، فلما طرحت على ذلك الموضع وحمى الزئبق حركا، لأن من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير، فلما أثقلته كثافة الحبال والعصى صارت تتحرك بحركته، فظن من رآها أنها تسعى، ولم تكن تسعى حقيقة، انتهى.

قال القرطبى: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا فى القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفى الأبدان بالألم والسقم، وإنما المنكر أن ينقلب الجماد حيوانا، أو عكسه، بسحر الساحر.

وقد ثبت فى البخارى من حديث عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سحر، حتى إن كان ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما فعله، حتى إذا كان ذات ليلة عند عائشة دعا ودعا ثم قال: «يا عائشة، أشعرت أن الله أفتانى فيما استفتيته؟

أتانى رجلان، فقعد أحدهما عند رأسى والآخر عند رجلى، فقال أحدهما: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب «١» ، قال من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فى أى شئ؟ قال: فى مشط ومشاقة «٢» وجف طلع «٣» نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: فى بئر ذروان «٤» » ، فأتاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى ناس من أصحابه، فجاء فقال: «يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء «٥» ، وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين، فقلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافانى الله، فكرهت أن أثور على الناس فيه شرّا، فأمر بها فدفنت» . وفى رواية للبخارى أيضا:

«فأتى البئر حتى استخرجه فقال: هذه البئر التى رأيتها» ، قالت عائشة: أفلا


(١) مطبوب: أى مسحور.
(٢) المشاقة: ما يسقط من الشعر حين يمشط.
(٣) جف الطلعة: وعاء الطلع وغشاؤه إذا جف.
(٤) بئر ذروان: بئر فى المدينة فى بستان لأحد اليهود.
(٥) نقاعة الحناء: أى الماء الذى ينقع فيه الحناء، والحناء معروف، وهو الذى يتخذ للخضاب.