للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الأقوال، فتحتاج إلى النية فى ثلاثة مواطن: أحدها: التقرب إلى الله تعالى فرارا من الرياء، والثانى: التمييز عن الألفاظ المحتملة لغير المقصود. والثالث: قصد الإنشاء ليخرج سبق اللسان. انتهى، ذكره الحافظ ابن حجر فى فتح البارى.

وقد اختلف العلماء فى الوقت الذى وجب فيه الوضوء:

فقال بعضهم: أول ما فرض بالمدينة، وتمسك بقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «١» الآية. ونقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة فرض عليه- صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة، كما افترضت الصلاة، وأنه لم يصل قطّ إلا بوضوء، وقال: وهذا مما لا يجهله عالم.

وقال الحاكم فى المستدرك: أهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة، ثم ساق حديث ابن عباس:

دخلت فاطمة- رضى الله عنها- على النبى- صلى الله عليه وسلم- وهى تبكى فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال: «ائتونى بوضوء فتوضأ» «٢» . قال الحافظ ابن حجر: وذا يصلح أن يكون ردّا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ.

وقد جزم ابن الجهم المالكى بأنه كان قبل الهجرة مندوبا، وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة. ورد عليه بما أخرجه ابن لهيعة فى المغازى التى يرويها عن أبى الأسود عن عروة أن جبريل- عليه السّلام- علم النبى- صلى الله عليه وسلم- الوضوء عند نزوله عليه بالوحى. وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا، لكن قال: عن الزهرى عن عروة، عن أسامة بن زيد عن أبيه، وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهرى نحوه،


(١) سورة المائدة: ٦.
(٢) ضعيف: أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (١/ ٢٦٨) ، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، وقال الحاكم: حديث صحيح ولا أعلم له علة. قلت: إن مولد ابن عباس- رضى الله عنهما- كان فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، فمتى تحمل رواية هذا الخبر فى مكة قبل الهجرة!.