(٢) قلت: قال الحافظ الزيلعى فى معرض رده على من يردون رواية أنس التى فى صحيح مسلم حيث يقول فى «نصب الراية» (١/ ٣٣٠- ٣٣١) : كيف يجوز العدول عنه- أى رواية مسلم- بغير موجب ويؤكده قوله فى رواية مسلم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول قراءة ولا فى آخرها، لكنه محمول على نفى الجهر، لأن أنسا إنما ينفى ما يمكنه العلم بانتفائه، فإنه إذا لم يسمع مع القرب علم أنهم لم يجهروا، وأما كون الإمام لم يقرأها فهذا لا يمكن إدراكه، إلا إذا لم يكن بين التكبير والقراءة سكوت يمكن فيه القراءة سرّا، ولهذا استدل بحديث أنس هذا على عدم قراءتها من لم ير هنا سكوتا كمالك وغيره لكن ثبت فى الصحيحين من أبى هريرة أنه قال: يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: «أقول كذا وكذا إلى آخره» ، وفى السنن عن سمرة وأبى وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة وأنه كان يستعيذ وإذا كان له سكوت لم يمكن أنسا أن ينفى قراءتها فى ذلك السكوت فيكون نفيه للذكر والاستفتاح والسماع مرادا به الجهر، بذلك يدل عليه قوله: «فكانوا لا يجهرون» وقوله فلم أسمع أحدا منهم يجهر، ولا تعرض فيه للقراء، سرّا ولا على نفيها إذ لا علم لأنس بها حتى يثبتها أو ينفيها، وكذلك قال لمن سأله إنك تسألنى عن شئ ما أحفظه، فإن العلم بالقراءة السرية إنما يحصل بإخبار أو سماع عن قرب، وليس فى الحديث شئ منها، ورواية من روى «فكانوا يسرون» كأنها مروية بالمعنى من لفظ «لا يجهرون» والله أعلم، وأيضا عمل الافتتاح بالحمد لله رب العالمين على السورة لا الآية مما تستبعده القريحة وتمجه الأفهام-