للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا قال الشافعى- رحمه الله- فى الأم، ونقله عنه الترمذى فى جامعه: المعنى أنهم يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها، لا أنهم يتركون البسملة أصلا.

ويتأيد بثبوت تسمية أم القرآن بجملة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «١» فى صحيح البخارى، وكذا بحديث قتادة قال: سئل أنس: كيف كانت قراءة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: كانت مدّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد «بسم الله» ويمد «الرحمن» ويمد «الرحيم» «٢» . كذا أخرجه البخارى فى


- الصحيحة لأن هذا من العلم الظاهر الذى يعرفه العام والخاص كما يعلمون أن الفجر ركعتان وأن الظهر أربع، وأن الركوع قبل السجود، والتشهد بعد الجلوس إلى غير ذلك، فليس فى نقل مثل هذا فائدة، فكيف يجوز أن أنسا قصد تعريفهم بهذا وأنهم سألوه عنه وإنما مثل هذا مثل من يقول: فكانوا يركعون قبل السجود أو فكانوا يجهرون فى العشاءين والفجر ويخافتون فى صلاة الظهر والعصر والله أعلم، وأيضا فلو أريد الافتتاح بسورة الحمد لقيل كانوا يفتتحون القراءة بأم القرآن أو بفاتحة الكتاب أو بسورة الحمد، هذا هو المعروف فى تسميتها عندهم وأما تسميتها بالحمد لله رب العالمين فلم ينقل عن النبى- صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة والتابعين ولا عن أحد يحتج بقوله، وأما تسميتها بالحمد فقط فعرف متأخر، يقولون فلان قرأ الحمد، وأين هذا من قوله «فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين» فإن هذا لا يجوز أن يراد به السورة إلا بدليل صحيح، وأن للمخالف ذلك. ا. هـ ومما سبق يتبين أن رواية مسلم صحيحة، وليست بمعلولة، وأن الصحيح عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، أنه ما كان يجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم، وكذا الخلفاء من بعده، ثم لا ينتشر فى المدينة موطن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو فى مكة موطن الحج.
(١) سورة الفاتحة: ١.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٥٠٤٦) فى فضائل القرآن، باب: مد القراءة، وقد علق الحافظ فى «الفتح» (٨/ ٧١٠) على من يستدل بذلك على رد حديث أنس بنفى الجهر بالبسملة وقراءتها فى أول الفاتحة حيث قال: وفى الاستدلال بحديث الباب نظر، وقد أوضحته فيما كتبته من النكت على علوم الحديث لابن الصلاح، وحاصله أنه لا يلزم من وصفه بأنه كان إذا قرأ البسملة يمد فيها أن يكون قرأ البسملة فى أول الفاتحة فى كل ركعة، ولأنه إنما ورد بصورة المثال فلا تتعين البسملة، والعلم عند الله تعالى. ا. هـ. قلت: ومن الممكن أن يحمل ذلك على قراءته خارج الصلاة، كما أن هذا الحديث عام ويقابله حديث أنس الآخر الذى يخصص القراءة فى الفاتحة بعدم الجهر بالبسملة فيقدم عليه، والله أعلم.