للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: «دقه وجله» بكسر أولهما، أى قليله وكثيره.

وعن عائشة قالت: فقدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدميه وهو فى السجود، وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» «١» رواه مسلم.

قال الخطابى: فى هذا الحديث معنى لطيف، وذلك أنه- صلى الله عليه وسلم- استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمعاقبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله تعالى استعاذ به منه، ومعناه: الاستغفار من التقصير فى بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه.

وقوله: «لا أحصى ثناء عليك» أى لا أطيقه ولا آتى عليه، وقيل: لا أحيط به، وقال مالك: لا أحصى نعمتك وإحساناتك والثناء بهما عليك وإن اجتهدت فى الثناء عليك.

وقوله: «أنت كما أثنيت على نفسك» اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، فإنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد الثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين، فوكل ذلك كله لله تعالى المحيط بكل شئ جملة وتفصيلا، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء تابع للمثنى عليه، فكل شئ أثنى به عليه- وإن كثر وطال وبولغ فيه- فقدر الله أعظم وسلطانه أعز، وصفاته أكثر وأكبر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.

انتهى.

وهاهنا فائدة لطيفة ذكرها بعض المحققين، فى نهيه- صلى الله عليه وسلم- عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود «٢» ، وهى أن القرآن أشرف الكلام، وحالتا الركوع


(١) صحيح: أخرجه مسلم (٤٨٦) فى الصلاة، باب: ما يقال فى الركوع والسجود.
(٢) صحيح: والحديث الدال على ذلك أخرجه مسلم (٤٧٩) فى الصلاة، باب: النهى عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.