وعن مجاهد مثله، وزاد فى قصة بلال: وجعلوا فى عنقه حبلا ودفعوه إلى الصبيان يلعبون به حتى أثر الحبل فى عنقه.
فانظر كيف فعل ببلال ما فعل من الإكراه على الكفر، وهو يقول أحد أحد، فمزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان، وهذا كما وقع له أيضا عند موته، كانت امرأته تقول: واحزناه وهو يقول: واطرباه. غدا ألقى الأحبة محمدا وصحبه، فمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء. ولله در أبى محمد الشقراطسى حيث قال:
لاقى بلال بلاء من أمية قد ... أحله الصبر فيه أكرم النزل
إذ أجهدوه بضنك الأسر وهو على ... شدائد الأزل ثبت الأزر لم يزل
ألقوه بطحا برمضاء البطاح وقد ... عالوا عليه صخور جمة الثقل
فوحد الله إخلاصا وقد ظهرت ... بظهره كندوب الطل فى الطلل
إن قدّ ظهر ولى الله من دبر ... قد قدّ قلب عدو الله من قبل
يعنى إن كان ظهر ولى الله بلال قد ظهر فيه التعذيب بقده، فقد جوزى عدو الله أمية وقد قلبه ببدر، لأنه قتل يومئذ، وكان عبد الرحمن بن عوف قد أسره يومئذ وأراد استبقاءه لأخوة كانت بينهما فى الجاهلية، فرآه بلال معه فصاح بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا فنهشوه بأسيافهم حتى قتلوه.
وأخرج البيهقى عن عروة أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب فى الله سبعة منهم، الزنيرة، فذهب بصرها، وكانت ممن تعذب فى الله، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون:
ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كلا والله ما هو كذلك فرد الله عليها بصرها.
والزنيرة: بكسر الزاى وتشديد النون المكسورة. كسكينة: كذا فى القاموس.