للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك بالمدينة فى القنوت كما فى حديث أبى هريرة عند البخارى، ولا يلزم من ذلك اتحاد هذه القصص، إذ لا مانع أن يدعو عليهم مرارا. والظاهر أن مجئ أبى سفيان كان قبل الهجرة لقول ابن مسعود: «ثم عادوا، فذلك قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى «١» يوم بدر» ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر. وعلى هذا فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرا ذلك، فلذلك قال: «وأبيض يستسقى الغمام بوجهه» لكن ورد ما يدل على أن القصة وقعت بالمدينة، فإن لم يحمل على التعدد وإلا فهو مشكل.

وفى الدلائل للبيهقى عن كعب بن مرة أو مرة بن كعب قال: دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مضر، فأتاه أبو سفيان فقال: ادع الله لقومك قد هلكوا. وقد رواه أحمد وابن ماجه عن كعب بن مرة، ولم يشك، وأبهم أبا سفيان فقال: جاءه رجل فقال: استسق الله لمضر، قال: يا رسول الله استنصرت الله فنصرك ودعوت الله فأجابك، فرفع يديه فقال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا» الحديث فظهر أن هذا الرجل المبهم المقول له: «إنك لجرئ» هو أبو سفيان.

لكن يظهر أن فاعل «قال يا رسول الله استنصرت الله إلخ» هو كعب بن مرة راوى هذا الحديث، فما أخرجه أحمد والحاكم عن كعب بن مرة المذكور قال: «دعا رسول الله على مضر، فأتيته فقلت: يا رسول الله إن الله قد نصرك وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا» . وعلى هذا: فكأن أبا سفيان وكعبا حضرا جميعا، فكلمه أبو سفيان بشئ، فدل ذلك على اتحاد قصتهما، وقد ثبت فى هذه ما ثبت فى تلك من قوله «إنك لجرئ» ومن قوله: «اللهم حوالينا ولا علينا» . وسياق كعب بن مرة يشعر بأن ذلك وقع بالمدينة لقوله «استنصرت الله فنصرك» .

ولا يلزم من هذا اتحاد هذه القصة مع قصة أنس السابقة، فهى واقعة أخرى، لأن فى رواية أنس «فلم ينزل عن المنبر حتى مطروا» وفى هذه «فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا» ، والسائل فى هذه القصة غير السائل فى تلك، فهما قصتان، وقع فى كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء، ثم


(١) سورة الدخان: ١٦.