فى حديث ضمام بن ثعلبة، وحديث وفد عبد القيس، ومخاطبة أبى سفيان مع هرقل وكان فى أول السابعة، وقال فيها: يأمرنا بالزكاة.
وقوى بعضهم ما ذهب إليه ابن الأثير بما وقع فى قصة ثعلبة بن حاطب المطولة ففيها: لما أنزلت آية الصدقة بعث النبى- صلى الله عليه وسلم- عاملا: فقال: ما هذه إلا الجزية أو أخت الجزية، والجزية إنما وجبت فى التاسعة، فتكون الزكاة فى التاسعة. لكنه حديث ضعيف لا يحتج بمثله. وادعى ابن خزيمة فى صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة، واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة فى قصة هجرتهم إلى الحبشة، وفيها: أن جعفر بن أبى طالب قال للنجاشى فى جملة ما أخبره به عن الرجل: الذى يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. انتهى.
وفى الاستدلال بذلك نظر، لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد، ولا صيام رمضان، فيحتمل أن تكون مراجعة جعفر لم تكن فى أول ما قدم على النجاشى، وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من فريضة الصلاة والصيام، وبلغ ذلك جعفرا فقال: يأمرنا، يعنى أمته، وهو بعيد جدّا. وأولى ما حمل عليه حديث أم سلمة هذا- إن سلم من قدح فى إسناده- أن المراد بقول جعفر «يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام» أى فى الجملة، ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس ولا بالصيام صيام شهر رمضان، ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول.
ومما يدل على أن فرض الزكاة كان قبل التاسعة حديث أنس فى قصة ضمام بن ثعلبة. وقوله:«أنشدك الله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟»«١» وكان قدوم ضمام سنة خمس، وإنما الذى وقع فى التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات، وذلك يستدعى تقدم فريضة الزكاة قبل ذلك.
ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام
(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٣) فى العلم، باب: ما جاء فى العلم وقوله تعالى «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-.