للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرا: أضحى فلان كذا، ولا يريدون تخصيص ذلك بوقت الضحى، ومنه قوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا «١» فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل، وليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى من حمل لفظ «أظل» على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شئ من ذلك، لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجرى عليه أحكام المكلفين فيه، كما غسل صدره الشريف فى طست الذهب، مع أن استعمال أوانى الذهب الدنيوية محرمة.

وقال ابن المنير: الذى يفطر شرعا إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة فى الجنة، والكرامة لا تبطل العادة.

وقال غيره: لا مانع من حمل الطعام والشراب على حقيقتهما، وأكله وشربه فى الليل لا يقطع وصاله خصوصية له بذلك، فكأنه لما قيل له: إنك تواصل، قال: «إنى لست فى ذلك كهيئتكم» ، أى على صفتكم فى أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله، بل إنما يطعمنى ربى ويسقينى ولا ينقطع بذلك مواصلتى، فطعامى وشرابى على غير طعامكم وشرابكم صورة ومعنى.

وقال الجمهور: هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة، فكأنه قال: يعطينى قوة الآكل والشارب، ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب، ويقوى على أنواع الطاعة من غير ضعف فى القوة. أو المعنى: أن الله يخلق فيه من الشبع والرى ما يغنيه عن الطعام والشراب، ولا يحس بجوع ولا عطش.

والفرق بينه وبين الأول: أنه على الأول يعطى القوة من غير شبع ولا رى، بل مع الجوع والظمأ، وعلى الثانى: يعطى القوة مع الشبع والرى.

ورجح الأول بأن الثانى ينافى حال الصائم ويفوت المقصود من الصوم


(١) سورة النحل: ٥٨.