للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوصال، لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها. قال القرطبى: ويبعده النظر إلى حاله- صلى الله عليه وسلم- فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع ويربط على بطنه الحجر.

انتهى.

ويحتمل كما قاله ابن القيم فى «الهدى» وابن رجب فى اللطائف- أن يكون المراد به ما يغذيه الله به من معارفه، وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه، ونعيمه بحبه والشوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال التى هى غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين، وبهجة النفوس، فللروح والقلب بها أعظم غذاء وأجله وأنفعه، وقد يغنى هذا الغذاء عن غذاء الأجسام مدة من الزمان كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشارب وتلهيها عن الزاد

إذا اشتكت من كلال السير أو عدها ... روح القدوم فتحيا عند ميعاد

ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيوانى، ولا سيما الفرحان الظافر بمطلوبه الذى قد قرت عينه بمحبوبه، وتنعم بقربه والرضا عنه، وألطاف محبوبه ... مكرم له غاية الإكرام مع الحب التام، أفليس هذا من أعظم غذاء لهذا المحب، فكيف بالحبيب الذى لا شئ أعظم منه ولا أجل ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحسانا، أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا، ولهذا قال: إنى أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى. انتهى.

وحكى النووى فى شرح المهذب، كما قاله فى شرح تقريب الأسانيد:

أن معناه أن محبة الله تشغلنى عن الطعام والشراب. قال: والحب البالغ يشغل عنهما. انتهى. فإن قلت: لم آثر اسم الرب دون اسم الذات المقدسة فى قوله: «يطعمنى ربى» دون أن يقول: يطعمنى الله؟ أجيب: بأن التجلى باسم الربوبية أقرب إلى العباد من الإلهية، لأنه تجلى عظمة لا طاقة للبشر بها، وتجلى الربوبية تجلى رحمة وشفقة.