الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبّا دون ذلك الاستحباب، والثانى: كان واجبا كقول أبى حنيفة. وتظهر فائدة الخلاف فى اشتراط نية الصوم الواجب من الليل، فأبو حنيفة لا يشترطها، ويقول: كان الناس مفطرين أول يوم عاشوراء ثم أمروا بصيامه بنية من النهار، ولم يأمروا بقضائه بعد صومه. وأصحاب الشافعى يقولون: كان مستحبّا فصح بنية من النهار، ويتمسك أبو حنيفة بقوله:«أمر بصيامه» والأمر للوجوب، وبقوله:«فلما فرض شهر رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه» . ويحتج الشافعية بقوله:«هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه» ، والشافعية يقولون أيضا: معنى قوله فى حديث سلمة: «فأمره أن يؤذن فى الناس من كان لم يصم فليصم الخ» . أن من كان نوى الصوم فليتم صومه، ومن كان لم ينو الصوم ولم يأكل أو أكل فليمسك بقية يومه لحرمة اليوم. واحتج أبو حنيفة بهذا الحديث لمذهبه: أن صوم الفرض يجب بنية فى النهار ولا يشترط تبييتها، قال: لأنهم نووا فى النهار وأجزأهم. وأجاب الجمهور عن هذا الحديث: بأن المراد إمساك بقية النهار لا حقيقة الصوم، والدليل على هذا: أنهم أكلوا ثم أمروا بالإتمام، وقد وافق أبو حنيفة وغيره على أن شرط إجزاء النية فى النهار فى الفرض والنفل أن لا يتقدمها مفسد للصوم من أكل وغيره، انتهى.
وقال الحافظ شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر: يؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكيد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت فى مسلم:«لما فرض رمضان ترك عاشوراء»«١» مع العلم بأنه ما ترك استحبابه، بل هو باق، فدل على أن المتروك وجوبه، وأما قول بعضهم:«المتروك تأكد استحبابه، والباقى مطلق استمرار الاهتمام به حتى فى عام وفاته- صلى الله عليه وسلم- حيث قال:
«لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر» وترغيبه فى صومه وأنه يكفر السنة، فأى تأكيد أبلغ من هذا. انتهى.
(١) صحيح: أخرجه البخارى (٤٥٠٣) فى التفسير، باب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، ومسلم (١١٢٣) فى الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء.