للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجاب المازرى: بأنه يحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم- أوحى إليه بصدقهم فيما قالوه، أو تواتر عنده النقل بذلك حتى حصل له العلم بذلك. قال القاضى عياض ردّا على المازرى: قد روى مسلم أن قريشا كانت تصومه، فلما قدم المدينة صامه، فلم يحدث له بقول اليهود حكم يحتاج إلى الكلام عليه، وإنما هى صفة حال، وجواب سؤال، فقوله: «صامه» ليس فيه أن ابتداء صومه حينئذ، ولو كان هذا لحملناه على أنه أخبره به من أسلم من علمائهم كابن سلام وغيره. قال: وقد قال بعضهم يحتمل أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يصومه بمكة ثم ترك صيامه حتى علم ما عند أهل الكتاب منه فصامه، قال: وما ذكرناه أولى بلفظ الحديث.

قال النووى: المختار قول المازرى، ومختصر ذلك أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يصومه كما تصومه قريش فى مكة، ثم قدم المدينة فوجد اليهود يصومونه فصامه أيضا بوحى أو تواتر أو اجتهاد، لا بمجرد إخبار آحادهم. انتهى.

وقال القرطبى: لعل قريشا كانوا يستندون فى صومه إليه شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم، كما فى الحج، وأذن الله له فى صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل أن يكون استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك. وعلى كل حال فلم يصمه اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك فى الوقت الذى يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه، ولا سيما إذا كان فيه ما يخالف أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما فى حديث ابن عباس «إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» ، فلم يأت العام المقبل حتى توفى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-» «١» .


(١) تقدم.