وفى أخرى له أيضا: كان يصوم شعبان كله «١» . قال الحافظ ابن حجر: أى يصوم معظمه.
ونقل الترمذى عن ابن المبارك أنه قال: جائز فى كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله. ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره، قال الترمذى: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله: أن الرواية الأولى مفسرة للثانية ومخصصة لها، وأن المراد ب «الكل» الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال.
واستبعده الطيبى وقال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى، لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان. وقال ابن المنير:
إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة، والمراد الأكثر، وإما أن يجمع بأن قولها الثانى متأخر عن قولها الأول، فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله. انتهى. ولا يخفى تكلفه، والأول لمحمول على المبالغة هو الصواب.
واختلف فى الحكمة فى إكثاره- صلى الله عليه وسلم- من صوم شعبان، فقيل: كان يشتغل عن صيام الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره، فتجتمع فيقضيها فى شعبان. أشار إلى ذلك ابن بطال، وفيه حديث أخرجه الطبرانى فى الأوسط من طريق ابن أبى ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن عائشة: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان. وابن أبى ليلى ضعيف، وقيل كان يضع الحديث.
وقيل: كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان، وورد فيه حديث أخرجه الترمذى من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال: سئل النبى- صلى الله عليه وسلم-: أى الصوم أفضل بعد رمضان قال: «شعبان لتعظيم رمضان» قال الترمذى: حديث غريب، وصدقة عندهم ليس بذلك القوى.