للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن يعارضه ما رواه مسلم من حديث أبى هريرة مرفوعا: «أفضل الصيام بعد رمضان صوم المحرم» «١» . والأولى فى ذلك ما جاء فى حديث أصح مما مضى، أخرجه النسائى وأبو داود، وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذاك شهر يغافل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترتفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم» «٢» .

فبين- صلى الله عليه وسلم- وجه صيامه لشعبان دون غيره من الشهور بقوله: «إنه شهر يغافل الناس عنه بين رجب ورمضان» يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما، فصار مغفولا عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك.

وفى إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد، منها أن يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، ولا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها: أنه أشق على النفوس، لأن النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال بنى الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعتهم سهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدى بهم.

وقد روى فى صيامه- صلى الله عليه وسلم- شعبان معنى آخر، وهو أنه تنسخ فيه الآجال، فروى- بإسناد فيه ضعيف- عن عائشة قالت: كان أكثر صيام النبى- صلى الله عليه وسلم- فى شعبان فقلت: يا رسول الله، أرى أكثر صيامك فى شعبان؟ قال:

«إن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت أسماء من يقبض، فأنا أحب أن لا ينسخ اسمى إلا وأنا صائم» وقد روى مرسلا، وقيل إنه أصح.

وقد قيل فى صوم شعبان معنى آخر: وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، فلا يدخل فى صيامه على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١١٦١) فى الصيام، باب: فضل صوم المحرم، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، بلفظ أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم الحديث.
(٢) أخرجه أحمد (٥/ ٢٠١) من حديث أسامة بن زيد- رضى الله عنهما-.