للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله «١» . وجزم عبد الرزاق بأن «شد مئزره» هو اعتزاله النساء، وحكاه عن الثورى. وقال الخطابى: يحتمل أن يراد به الجد فى العبادة، كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزرى، أى: تشمرت له، ويحتمل أن يراد به التشمير والاعتزال معا، ويحتمل أن يراد به الحقيقة والمجاز، فيكون المراد: شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وتشمر للعبادة.

وقوله: «وأحيا ليله» أى: سهره فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه، لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعا، لأن النائم إذا حيى باليقظة حيى ليله بحياته، وهو نحو قوله: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا» «٢» ، أى:

لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور. فقد كان- صلى الله عليه وسلم- يخص العشر الأخير بأعمال لا يعملها فى بقية الشهر.

فمنها: إحياء الليل، فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ويشهد له حديث عائشة من وجه ضعيف «وأحيا الليل كله» وفى المسند عنها أيضا، قالت: كان- صلى الله عليه وسلم- يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر «٣» ، وفى حديث ضعيف عن أنس عند أبى نعيم: كان- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل شهر رمضان قام ونام فإذا كان أربعا وعشرين لم يذق غمضا ويحتمل أن تريد بإحياء الليل غالبه، وقد قال الشافعى فى القديم: من شهد العشاء والصبح فى جماعة ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها. وروى فى حديث مرفوع عن أبى هريرة: «من صلى العشاء الآخرة فى جماعة فى رمضان فقد أدرك ليلة القدر» «٤» . رواه أبو الشيخ.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٢٠٢٤) فى صلاة التراويح، باب: العمل فى العشر الأواخر من رمضان. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٢) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٠٤٢) فى المناسك، باب: زيارة القبور، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(٣) تقدم.
(٤) أخرجه البيهقى، كما فى «كنز العمال» (٢٤٠٩٢) .