وتعقب أيضا: بأن توهيم المهلب للراوى وهم منه، وإلا فأى فرق بين موسى وعيسى؟ لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض، وإنما ثبت أنه سينزل. وأجيب: بأن المهلب أراد أن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق، فقال:«كأنى أنظر إليه» ولهذا استدل المهلب بحديث أبى هريرة الذى فيه «ليهلن ابن مريم بالحج» .
وقد اختلف فى معنى قوله:«كأنى أنظر إليه» . فقيل: إن ذلك رؤيا منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك، ورؤيا الأنبياء وحى.
وقيل: هو على الحقيقة، لأن الأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون، فلا مانع أن يحجوا فى هذه الحالة، كما فى صحيح مسلم عن أنس: أنه رأى موسى- عليه السّلام- قائما فى قبره يصلى.
قال القرطبى: حببت إليهم العبادة، فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعى أنفسهم لا بما يلزمون به، كما يلهم أهل الجنة الذكر. ويؤيده أن عمل الآخرة ذكر ودعاء لقوله تعالى: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ «١» الآية لكن تمام هذا التوجيه أن يقال: المنظور إليه هى أرواحهم، فلعلها مثلت له- صلى الله عليه وسلم- فى الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء، وأما أجسادهم فهى فى القبور.
قال ابن المنير وغيره: يجعل الله لروحه مثالا، ويرى فى اليقظة كما يرى فى النوم. وقيل: كأنه مثلت أحوالهم التى كانت فى الحياة الدنيا، كيف تعبدوا، وكيف حجوا، وكيف لبوا، ولهذا قال:«كأنى» ... وقيل: كأنه أخبر بالوحى عن ذلك، فلشدة قطعه به قال:«كأنى أنظر إليه» . انتهى. وقد ذكرت فى مقصد الإسراء من ذلك ما يكفى والله الموفق.
ولما نزل- صلى الله عليه وسلم- بسرف خرج إلى أصحابه فقال من لم يكن معه هدى فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدى فلا. وحاضت عائشة فدخل عليها- صلى الله عليه وسلم- وهى تبكى، فقال:«ما يبكيك يا هنتاه» ، قالت:
سمعت قولك لأصحابك فمنعت العمرة، قال:«وما شأنك؟» قالت: لا