للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أناخ الناس فى منازلهم ولم يجلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى ثم حلوا «١» . وترك- صلى الله عليه وسلم- قيام الليل تلك الليلة، ونام حتى أصبح، لما تقدم له من الأعمال بعرفة من الوقوف من الزوال إلى بعد الغروب، واجتهاده- صلى الله عليه وسلم- فى الدعاء، وسيره بعد الغروب إلى المزدلفة، واقتصر فيها على صلاة المغرب والعشاء قصرا، ورقد بقية ليلته مع كونه- صلى الله عليه وسلم- كان يقوم الليل حتى تورمت قدماه، ولكنه أراح نفسه الشريفة لما تقدم فى عرفة، ولما هو بصدده يوم النحر من كونه ينحر بيده المباركة ثلاثا وستين بدنة، وذهب إلى مكة لطواف الإفاضة، ورجع إلى منى، كما نبه عليه فى شرح تقريب الأسانيد.

وعن عباس بن مرداس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة، فأجيب: إنى قد غفرت لهم ما خلا الظالم، فإنى آخذ للمظلوم منه، قال: «أى رب إن شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم» ، فلم يجب عشيته، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل، قال:

فضحك- صلى الله عليه وسلم-، أو قال: تبسم، فقال أبو بكر وعمر- رضى الله عنهما-: بأبى أنت وأمى، إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها، فما الذى أضحكك، أضحك الله سنك، قال: «إن عدو الله إبليس لما علم أن الله قد استجاب دعائى وغفر لأمتى أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من جزعه» «٢» ، رواه ابن ماجه. ورواه أبو داود من الوجه الذى رواه ابن ماجه ولم يضعفه.

وقد جاء فى بعض الروايات عن غير العباس ما يبين أن المراد من «الأمة» من وقف بعرفة. وقال القرطبى: إنه محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها. وقد رواه البيهقى بنحو رواية ابن ماجه ثم قال:

وله شواهد كثيرة، فإن صح بشواهده ففيه الحجة، وإن لم يصح فقد قال الله


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١٢٨٠) وقد تقدم.
(٢) ضعيف: أخرجه ابن ماجه (٣٠١٣) فى المناسك، باب: الدعاء بعرفة، من حديث عباس ابن مرداس بن أبى عامر، وضعفه الألبانى.